رغم مرور ستة عقود من الاستقلال لازال الإرث التاريخي الإجرامي الذي تركه الاستعمار الفرنسي مدفونا في الأراضي الجزائرية يحصد عشرات بل ألاف الأرواح من المواطنين القاطنين في المناطق الحدودية الغربية والشرقية, و ذلك بفعل مخلفات الألغام المزروعة على امتداد خطي شال وموريس حيث لم تتوقف أخبار ضحايا الحرب النائمة كما يصطلح على تسميتها منذ المرحلة التي جاءت ما بعد نهاية الاحتلال وبقيت قائمة الشهداء مفتوحة اإى يومنا هذا . إذ لم تشفع الجهود الكبيرة التي سخرتها الدولة لمسح وتطهير الأراضي الملّغمة على الشريط الحدودي في تأمين حياة السكان القاطنين في البلديات النائية , سيما عائلات البدو الرحل التي تضررت بنسبة كبيرة مقارنة بسكان القرى والأرياف , ولعّل الأرقام المخيفة التي تحصيها المصالح المختصة سنويا خير دليل على بشاعة ما اقترفته فرنسا حتى بعد خروجها من الجزائر حيث تركت وراءها جرائم الحرب الباردة , ألغام مزروعة في باطن الأرض باختلاف أنواعها فردية، جماعية، ومضادة للذبابات من يطأ أصغر واحدة منها تكفي لبتر رجليه أو يديه أو تقطيعه اشلاء متناثرة فضحاياها كثيرون، هناك من قضى نحبه بعد الاستقلال وهناك من بثرت أطرافه وهو يعاني في صمت ، هذا ما أصبح يعيشه سكان المناطق الحدودية على اختلاف أعمارهم الذين عاقبتهم فرنسا بعد رحيلها ولم يسلم منها حتى الأغنام والأبقار. سكان العريشة مازالوا يقدمون شهداء بعد رحيل فرنسا من أقصى جنوب ولاية تلمسان وتحديدا ببلدية العريشة التي تتربع على مساحة واسعة باعتبارها أكبر بلدية في المنطقة حطت بعثة "الجمهورية" الرحال بعد رحلة ماراطونية انطلقت من وهران ثم تلمسان مرورا . ببني سنوس و مغنية ليستقر بنا الوضع في مدينة "العريشة" التي تبعد عن عاصمة الولاية بحوالى 90 كلم . وبمجرد وصولنا دلّنا أحد المواطنين على مقر البلدية حيث قصدنا رئيسها السيد اسماعيل الذي رحب بنا واستطعنا بفضل مساعدته أن ننجز هذا " الربورتاج" . الخطر قائم بعد وفاة زوجين من البدو الرحل بمنطقة "الوجيرات" على غرار المناطق الحدودية القريبة من الأسلاك الشائكة لا تزال "العريشة" تقدم شهداء جدد من المواطنين العزل الذين يلقون مصرعهم يومياً بفعل انفجار الألغام من تحت أقدامهم غدرا وهم يرعون الغنم أو يجمعون الحطب أو يتجولون بالقرب من الحدود أو يلعبون مثلماً حدث لعدد من الأطفال الذين حرمتهم ألغام فرنسا الاستعمارية من العيش في سلام . ولعل الحادثة الأخيرة وقعت في السنة الماضية و التي راحت ضحيتها عائلة من البدو الرحل مكونة من زوجين ا في منطقة "الوجيرات" بالعريشة , بفعل انفجار لغم داخل خيمتها خير برهان على مآسي سكان المنطقة الذين يعيشون تجث رحمة الانفجاريات التلقائية للألغام الحية النائمة تحت الارض والمدسوسة في لمراعي و التلال الجبلية .