أكد الدكتور " نصر الدين لعياضي " أمس خلال محاضرة ألقاها بمعهد علوم الإعلام والاتصال بجامعة وهران أن التفكير في "الميديا و رهانات التحول "يجب أن ينطلق من تحديد بعض الملامح لبيئة الاتصال الجديدة التي تتجلى في الانتقال من التماثل إلى الرقمي بمعنى التكنولوجي الحديث،وذلك من خلال طرح قضية الانتقال من الندرة إلى الوفرة وقضية المواءمة التقنية التي تعد هي الأخرى مطلبا اقتصاديا و تجاريا قبل كل شيء،حيث أشار الدكتور المحاضر إلى أن المادة الإخبارية أصبحت اليوم عرضة للتشكل،بمعنى أننا تخلينا عن ثنائية الواقع والخيال،وأصبحنا نمجد العالم الافتراضي الذي خلق تداخلا جليا بين الإعلام و الاتصال وكذا شبكات الانترنت ، خصوصا أن مفهوم البلاغة تغير من المفهوم الفلسفي و الحضاري إلى مفهوم ثلاثية الصوت والصورة والمؤثرات التقنية . السعي إلى بناء علاقات وفي تعريفه للميديا وقف الدكتور " لعياضي "عند مصطلحات متداولة لدى مختصي علوم الإعلام والاقتصاد الذين ترجموها على أنها الوسائل الإعلامية الجديدة ،وهو ما تحفظ عنه الدكتور قائلا إن هذه الأخيرة لا تتماشى وفق السياق الجديد للبيئة الإعلامية الجديدة كما يعتقدون ،بل هي مجرد وسيطة،كما أنها وسيلة تختص في التوزيع و البث ،وأضاف في مداخلته أن وسائل الإعلام الكلاسيكية تسعى دوما لتقديم الحقيقة ومعلومات واقعية،بينما الميديا الجديدة تسعى إلى بناء علاقات وهو ما يعمق الفرق بينهما ، فميلادها تشكل من محتويات الميديا القديمة،أي أن هناك تداخل فيما بينهما حسب الدراسات الأمريكية التي كشفت عن وجود نسبة 80 بالمائة من الأشياء الجديدة مأخوذة من القديمة. وفي ذات السياق تحدث الدكتور " لعياضي " أيضا في مداخلته التي قدمها أمام طلبة المعهد وكذا الأساتذة عن وسائل الإعلام الهجينة،التي اعتبرها الوساطة والفعل ، والمسار والمحتوى في نفس الوقت ،غايتها ليست بث واعي للآراء لكنها مسار من استبطان المعايير والسلوك التي تقودنا إلى قبول بعض الممارسات وتبنيها و كأنها طبيعية،فجديد الميديا الهجينة هو أنه تتدخل فيها أنماط جديدة من الاتصال ودمج لمختلف اللغات ،كما أنها نص متحرر من قوالبه ومتعدد الأصوات ، ويتعلق الأمر بصوت المنتج ،الكاتب،المصدر و المستخدم وكلها أصوات لم تكن موجودة في الصحافة المكتوبة قديما ،أما اليوم أصبح النص متشعبا وفائضا يتطلب مهارات في الكتابة والقراءة ، هذا إضافة إلى أنها علاقة جديدة بين الفاعلين ، حيث أصبح القارئ يصحح للصحفي ،بمعنى أننا أصبحنا نعيش مرحلة الذكاء الجماعي ، مضيفا أيضا التفاعلية التي باتت تتجلى في المجتمعات التي تحترم الرأي الآخر وحرية التعبير، وذلك من مستوى تعامل الشخص مع الآلة والقارئ مع المحتوى والصحفي مع القارئ عبر الوسيط وغيرها من العلاقات . انجراف نحو الاتصال على حساب الإعلام وفيما يخص رهانات الميديا الجديدة قال الدكتور " لعياضي" أن أول رهان يتعلق بإشكالية جينات الأخبار التي تغيرت فالناس لم تعد تهتم بالذي جرى،بل ماذا قيل عن الذي جرى ؟،و باتت الدردشة هي الأهم و ليست الأخبار التي فقدت بطبيعة الحال مكوناتها ، أما الرهان الثاني هو أن الاتصال أصبح ضد الاعلام وهي المقولة التي نشرها " دانيال بونيو " عام 1995 وترجمها الدكتور" لعياضي " في كتاب نشرته دار القصبة بالجزائر تحت عنوان " الاتصال ضد الإعلام "، وعليه فإن هذا المفهوم جرف الميديا نحو الاهتمام بهذه الأمور الثانوية وليس الجوهرية،فأصبحنا نتصل من أجل الاتصال فقط أي أنه انجراف نحو الاتصال على حساب الإعلام ،ويشير الدكتور إلى أنه في سنوات الستينات أي في زمن الندرة كان الناس أدرى بما يجري حولهم ،أما اليوم فمن كثيرة المعلومات ضاعت المعرفة تماما ،وعن الرهان الثالث - يقول - هو أن الآنية أصبحت غاية في حد ذاتها،فبعد أن كنا نسعى في الماضي من أجل السبق الصحفي صرنا نلهث وراء الآتي وننسى الموجود أمامنا ، وهذا ما أسماته الفلاسفة ب " الحقيقة الفائضة " مما جعل الأخبار تموت بسرعة وفي مدة قصيرة ، وحتى أشكال الرقابة تغيرت في ظل " الميديا الجديدة " وأيضا معايير مصداقية الأخبار تغيرت ، فأصبح الخبر الذي ينتشر بسرعة ويحظى بإقبال هو الخبر الصادق ،أما الرهان الرابع فهو تسيير نحو نمط جديد من الأحادية في ظل التعددية،فالصحف العالمية الكبرى أصبحت تلهث وراء محركات البحث والتي نقصد بها " غوغل " قصد الحصول على ترتيب جيد .