لا تخلو شوارع وهران كغيرها من ولايات الوطن من مظاهر اجتماعية سلبية مؤسفة للغاية... صور فتيات جزائريات و إفريقيات و سوريات يحملن أطفالهن في وضعيات مختلفة ، تسارعن نحو السيارات عند إشارات المرور الضوئية قصد استعطاف أصحابها والظفر بدنانير معدودات...ومشاهد مجانين بثياب متسخة و رثة يجولون ويصولون بالطرقات والأزقة بكل حرية منهم العدواني و البعض الآخر انطوائي فرّوا جميعهم من الواقع إلى عالم الهذيان واللاوعي . هذه الصور الاجتماعية السلبية وأخرى تتواجد بكل مناطق البلاد لم تعد تقتصر على ولاية واحدة حتى أنها تعدت المدن الكبرى لتتواجد بالمناطق الداخلية والأرياف والقرى وقد زاد من انتشارها بطريقة ملفتة للغاية رفض العائلات احتضان هذه الفئات الهشة ورميها إلى الشارع رغم كل التناقضات والمخاطر المحدقة بها . المجانين أو كما يسمونهم بالعامية ' المهابيل' هي الفئة التي نحاول من خلال ملفنا لهذا الأسبوع أن نسلط الضوء على واقعهم المرّ و مستقبلهم الغامض في ظل إصرار ذويهم وأوليائهم على عدم تقبلهم ورفض عودتهم إلى المنزل و بذلك مساعدتهم على إعادة الاندماج مجددا في مجتمع لن يرحمهم بعدما تخلت عنهم عائلاتهم تجنبا للعار وكلام الناس . ويرتبط الكلام عن المجانين بوهران بالمؤسسة الاستشفائية المتخصصة في الأمراض العقلية بسيدي الشحمي ..هذا المستشفى الأقدم و الأكبر على المستوى الوطني يضمن الرعاية الصحية لمرضاه القادمين من مختلف مناطق وهران والولايات الغربية والجنوب الغربي وحتى بعض مدن وسط وشرق البلاد . [ مستشفى سيدي الشحمي يختنق ] دخول هذا الصرح الصحي الوحيد بالولاية لم يكن بالمستحيل وإصرارنا على ولوجه ليس للحديث عن عدد المقيمين به والرعاية الصحية التي يضمنها هذا المستشفى لهم ولغيرهم من المرضى الذين يتوافدون عليه يوميا قصد الفحص الطبي بقدر محاولتنا نقل ما يخفي عدد كبير من هؤلاء النزلاء من قصص مؤلمة يكابدونها بسبب رفض أهلهم عودتهم من جديد إلى المنزل ومزاولة حياتهم بصورة جد عادية بعدما تأكد شفاؤهم نهائيا من الاضطرابات النفسية و العقلية الحادة التي أصيبوا بها من قبل . وبالرغم من الأرقام التي تمكنا من الحصول عليها عن نشاط مستشفى سيدي الشحمي وعدد المرضى الوافدين عليه إراديا و إجباريا منهم من استدعت حالتهم المكوث بالمصحة لشهور وآخرون تلقوا الفحص اللازم والأدوية وغادروا مباشرة المستشفى إلا أنها لا تعكس حجم ظاهرة الجنون و الإصابة بالاضطرابات النفسية داخل المجتمع من جهة و لا حتى عدد المجانين الذين تخلت عنهم عائلاتهم ورمتهم في الشارع أو احتجزوا في ظروف مأساوية و حرموا من الخروج خوفا من فضيحة وجود مجنون بالعائلة من جهة أخرى . ورغم هذا لم يعد مستشفى سيدي الشحمي يتحمل ذلك العدد الكبير من المرضى الذين تماثلوا للشفاء ويمكنهم مغادرة المصحة إلا أن عائلاتهم تخلت نهائيا عنهم ورفضت استرجاعهم رغم الاتصالات المتكررة من الإدارة بهم .