في ظل الصّمت المُطْبق للمجتمع نحوها التحرّش... الجريمة المسكوت عنها كانت ومازالت ظاهرة التحرش بكل أنواعه تندسّ وسط المجتمعات تحت ستار "الطابوه", لاسيما المجتمعات العربية. إذ لا يمكن الخوض فيها، لأنها تشوّه صورة الفرد وأسرته والفضاء الذي ينتمي إليه. الجزائر هي الأخرى تعاني من هذه الظاهرة التي تعرف تزايدا كبيرا وسط التكتم الشديد من طرف ضحاياها لاسيما الجنس اللطيف، خوفا من النظرة السلبية التي يقابلهن بها المجتمع في غياب معالجة دقيقة لها. في وقت يعتبر المجتمع العربي ذكوريا لا يسمح للمرأة بالتعبير الكافي عن التصرفات المشينة التي تتعرض لها, سواء في الأسرة أو مقاعد الدراسة أو مواقع العمل والأماكن العمومية والخاصة، رغم الترسانة القانونية الموجودة في هذا الإطار لانعدام التطبيق الفعلي لها. بينما تحرّش النساء بالرجال قلّما يحدث. جريدة "الجمهورية" وفي غياب المعطيات الكافية حول هذه الظاهرة وانعدام أرقام رسمية من طرف الجهات المختصة، أمام تنوع ظاهرة التحرش بين اللفظي منها والجسدي والجنسي، حاولت الغوص في الظاهرة, ورفع الستار عن هذا الطابوه, الذي ينخر الأسرة الجزائرية, ويزيد من حالات التأزم النفسي الصامت لأفرادها, بعيدا عن سبيل واضح لمعالجتها. بادرت الجريدة في هذا الاطار بالتنقل إلى مصلحة الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح التابعة لمديرية النشاط الاجتماعي لوهران، أين أوضح رئيس المصلحة السيد "سيد احمد شايب ذراع" ,أن هيئته تعمل في معظم الوقت بالتنسيق مع قطاع العدالة, حيث توفر التكفل بالمتابعين قضائيا, عبر إعادة إدماجهم في الوسط الاجتماعي، لاسيما الأطفال الذين تعرضوا للتحرشات الجنسية والعنف بصفة عامة، وكذا التدخل في الروابط العائلية والنفسية والاجتماعية للأحداث عبر محاولة إخراجهم من الضائقة النفسية التي تكتنفهم بعد تعرضهم إلى التحرش. و أضاف ذات المتحدث أن مصلحة الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح, خصصت أعوانا مهمتهم إجراء التحقيقات الميدانية المتعلقة بالحالات المسجلة لديهم على المستوى الذي تعيش فيه الحالة المعنية, سواء العائلة او الوسط التربوي وحتى الأماكن التي يترددون عليها. مما جعل الأعوان يكتسبون خبرة كفيلة بتحديد الأسباب التي تقف وراء تعرض الحالة للتحرش أو الانحراف من خلال التعمق في علاقاتها الخاصة في المجتمع. وفي ذات السياق، أكد الأخصائي النفساني ومنسق الخرجات الميدانية للمساعدات الاستعجالية المتنقلة التابعة لمديرية النشاط الاجتماعي, "بن محمود أحمد" ,أن ظاهرة "التحرش" غالبا ما تبدأ بتحرش لفظي وتتواصل بتحرش جسدي لتنتهي باعتداء جنسي أو ما يعرف ب "الفعل المخل بالحياء". ما يجعل الأرقام والإحصائيات بعيدة عن الواقع المعيش. فالمرأة حسبه أكثر عرضة لمختلف أنواع التحرش، خاصة الجنسي منه، في الوقت الذي يعتبر التحرش من الممنوعات في الأسرة الجزائرية المحافظة التي ترفض مناقشة الموضوع أو إثارته أمام كل أفرادها لعدة معتقدات. مما يجعل المرأة لاسيما التي تشتغل خارج البيت عرضة لإصابات نفسية حادة وخطيرة تؤثر بشكل مباشر على شخصيتها وتكوينها النفسي في غياب آذان صاغية لها أو أيدي تأخذ بيدها إلى بر الأمان، خوفا من فقدانها لحريتها بحرمانها من مغادرة اسوار بيت العائلة، بعد انكشاف أمر تعرضها للتحرش سواء اللفظي أو الجسدي أو الجنسي، مفضلة التزام الصمت بدل كشف الواقعة, ومجابهة ردود أفعال العائلة السلبية اتجاهها, بمنعها من الخروج من البيت أو الطرد من مكان عملها بدعوى تشويهها لاسم وشرف العائلة, وكذا الإساءة إلى سمعة وصورة مكان عملها. وفي هذا الصدد أشار الأخصائي النفسي "بن محمود احمد", إلى ارتفاع ظاهرة تحرش الرجال بالنساء الموجودات على قارعة الطرق والأرصفة مما يخلق جلبة وضوضاء تخلقها المرأة للفت انتباه المارة ,ورجال الأمن المتواجدين بالطرقات، كردّ فعل على الاستفزازات التي تتعرض لها، خاصة في الفترات الليلية لدى تسكّع بعض الإناث ووجود نساء مشردات على قارعة الطريق. مما يجعل الرجال يقومون بمحاولات لحمل النساء واقتيادهن إلى أماكن شاغرة، لا تعرف الحركة لممارسة رغباتهم الحيوانية عليهن بالقوة. مما يجعل الفرقة مصحوبة بالأمن مضطرة للتدخل وتخليصهن من هذه الورطة. ناهيك عن بعض النساء اللواتي يجدن أنفسهن معرضات لخطر التحرش نتيجة تعطل مركباتهن أو وقوفهن على الرصيف لتوقيف سيارات اجرة للتنقل غلى وجهاتهن المختلفة . في الوقت الذي تعرف فيه فضاءات العمل الصمت المطبق من طرف النساء العاملات اللاتي تتعرضن إلى تحرشات مختلفة وبصورة متواصلة دون الإفصاح عنها خوفا من الطرد. التحرش يغتصب البراءة البراءة هي الأخرى لم تسلم من مخالب الأشخاص غير الطبيعيين أو ما يطلق عليهم نعت "الشواذ" و"المضطربين نفسيا" ,الذين يحاولون استغلال وجود الأطفال القصّر الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة في وضعيات حرجة على غرار التواجد الليلي لهم بعيدا عن أحضان الأسرة، ليقوم هؤلاء بمحاولة إغرائهم وجرهم إلى أماكن بعيدة عن أعين الأمن والبشر لممارسة الجنس عليهم وغالبا ما يتم ذلك بالقوة، حسبما أكده رئيس مصلحة الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح "سيد احمد شايب ذراع"، مضيفا أن المصلحة تسهر على إعادة إدماجهم في الوسط الاجتماعي والمهني والتكفل النفسي بهم ورعايتهم وحمايتهم من الوحوش الآدمية التي غالبا ما يضبط عناصر مصلحة المساعدات الاجتماعية والاستعجالات المتنقلة المرفوقة بعناصر الأمن أشخاصا يتجاوزون الأربعين سنة من اعمارهم يتحرشون بالاطفال القصّر عن طريق توفير مادة "الغراء" لهم قصد إفقادهم وعيهم كبديل عن المخدرات وممارسة الجنس عليهم. حيث تم في هذا الاطار احصاء 14 حالة اعتداء على قاصر في الفترة الممتدة من جانفي الى شهر جويلية من العام الجاري. الحديث عن التحرش لا يتوقف على تحرش الذكر بالانثى وتحرّش البالغ بالقاصر بل يتعدّاه الى التحرّش المَثَلي، اين تكون المرأة بطلة الواقعة عبر تحرشها بأنثى أي من نفس جنسها، مما يعقد الحالة وهو ما أكده نفس المتحدث، حيث شوهدت نساء يرتدن على المصلحة, تتحرشن بمثيلاتهن، مما اضطر اعوان المصلحة الى التفرقة بينهن ووضع كل واحدة في غرفة خاصة بها مع المراقبة المستمرة لهن. ونفس الصورة تنطبق على بعض الذكور، حيث يترصد بعض الرجال الشواذ اولئك الاشخاص الجدد في عالم الليل والتشرد، مما يضطر المصلحة الى الاستعانة برجال الشرطة من أجل التدخل وتدوين محاضر ضد المعتدين. خلفيات التحرش وكيفية مجابهته لينا زلاط سجلت مصلحة المساعدات الاجتماعية بوهران 64 حالة اعتداء جنسي بالشارع في الفترة الممتدة من الفاتح جانفي الى غاية نهاية شهر جويلية من السنة الجارية، في الوقت الذي ارجعت فيه اسباب انتشار التحرش بمختلف حالاته الى التصرفات المخالفة للقوانين الاجتماعية والأعراف والقيم والأخلاق السائدة في المجتمع عبر مجالسة رفقاء السوء، تعاطي المخدرات، ضعف الوازع الديني، ضعف التربية والرعاية من طرف الوالدين، الفراغ العاطفي المصحوب إما بالفقر او الغنى، حب الشهوة والثراء السريع غياب دور ايجابي للمدارس والتسرب المدرسي وضغوط المجتمع وعدم وجود بيئة صالحة للترعرع، حالات الطلاق، وأسباب اخرى. اما فيما يخص الطرق المتبعة لإعادة ادماج الفئة التي تعرضت الى التحرش لاسيما التحرش الجنسي فانه يتم التكفل بها نفسيا بصورة شاملة ومعمقة لتحوّل فيما بعد الى مراكز الايواء ومراكز اعادة التربية وكذا دار الرحمة ومركز النساء المعنَّفات بمستغانم, اين تتلقى النساء تكوينات خاصة تتمثل في مختلف الحرف والمهن تنتهي بشهادات معترف بها تمكنها من العودة الى الوسط الاجتماعي والاندماج في عالم الشغل، خاصة اللواتي لهن اطفال. الى جانب تنظيم جلسات خاصة مع المُتحرَش بهم من طرف اخصائيين نفسانيين قصد معالجتهم طبيعيا وجعلهم يتقبلون الواقع ومحاولة الاندماج فيه من جديد والعمل على اعادة الحالة الى احضان الأسرة هذه الاخيرة التي غالبا ما ترفض عودة ابنها او ابنتها الى احضانها, بدعوى انها حالة تسببت في تشويه صورة العائلة والمساس بكرامتها وشرفها، مما يضطر اعوان مصلحة المساعدات الاجتماعية مصحوبة بمصالح الامن الى التواصل مع الأسرة المعنية ومحاولة اعادة بناء حبل التواصل مع ابنهم عبر إحياء مشاعر المحبة غير المشروطة بين الطرفين ونصح الاولياء بالإنصات الى أولادهم وفتح قنوات الحوار معهم على طول اعمارهم و جعل الاسلام كمرجع لتربية الابناء لنموهم السَّوي، الى جانب إبقاء المتابعة البعدية للولد او البنت لمعرفة الاماكن والفضاءات التي يرتادها والعمل على استغلال فترات العطلة والفراغ في انشطة جماعية...إلخ. المدعوة " خ ف " تبلغ من العمر 18 سنة القاطنة بمنطقة عين الذهب بولاية تيارت حاورتها لينا زلاط تعرضت منذ صغري الى الحرمان من حقوقي الشرعية في التعلم والعيش حياة سعيدة ومستقرة خاصة بعدما توفيت والدتي. كان عمري لايتجاوز 5 سنوات عندها لم اكن اعرف مايخبئه لي المستقبل المشؤوم. واظطر والدي الى الزواج من اخرى كانت قاسية معي الى حد كبير. حيث قامت العائلة بتوقيفي على الدراسة في السنة الثانية ابتدائي. وبقيت في البيت اقوم بأشغاله, مع القساوة الكبيرة التي كنت اتلقاها يوميا والضرب المبرح . فتحليت بالصبر طيلة تلك الاعوام الى ان جاء اليوم الدي قررت فيه مغادرة البيت نحو وجهة مجهولة والمهم الابتعاد عن زوجة الاب. وفعلا توجهت الى الشارع. ثم تنقلت الى ولاية وهران التي كنت اسمع عنها الكثير ومنذ وصولي إلى وهران بدأت مغامرتي فتجولت في ازقة وشوارع وهران الجميلة و التأمل في العمارات المرتفعة,. وما ان حل الظلام وقلت الحركة شيئا فشيئا بدأت الذئاب الادمية تظهر. عندها لم اجد مكان للاختباء و بدأت التحرشات الجنسية المتبوعة باعتداءات جماعية لأكثر من 5 اشخاص . عانيت بعدها من المرض ,واكتشفت ان بطني بدأت تكبر شيئا فشيئا الى ان تأكدت انني حامل. ومن جهته فقد اكد لنا السيد بن محمود ان المصلحة كانت تقوم بعملية تمشيط لشوارع وهران وهدا لجمع الاشخاص بدون مأوى عندها لاحظوا وجود فتاة حامل في وضعية متدهورة عندها قامت الفرقة بتحويلها الى مقر المصلحة لمساعدتها وبعد ابقائها مدة 72 ساعة تمت معالجتها نفسيا وصحيا ثم حولت الى دار الرحمة بمسرغين ليتم التكفل بها وبعد وضعها لمولودتها تم تحويل الرضيعة الى دار الحضانة بموافقة الام التي فضلت ألا يكون مصير الطفلة مثل مصير امها المجهول. وقالت احب ابنتي ولكن افضل ان تحظى بالرعاية الكاملة بدار الحضانة لا اريد ان اعرضها هي الاخرى للخطر والأمراض وان تكون فريسة للوحوش الادمية الذين يملؤون شوارع وهران. وبعد هدا القرار الذي اتخدته الفتاة بمغادرة دار الرحمة و العودة الى بيتها العائلي بعد ان اشتاقت للوالد .ولكنها لم تكن تدري ان طريق المعاناة متواصلة حيث رفضها الاهل وطردوها الى الشارع بحجة انها تسببت في فضيحة وجلبت العار للعائلة .عندها لم تجد حلا اخر الا العودة الى ولاية وهران. توجهت الى عين الترك واختلطت ببعض الفتيات المنحرفات اللواتي قمنا بدفعها الى ممارسة الرذيلة وهدا لكسب المال للعيش والحصول على بيت يأويها هي وطفلتها.فانحرفت الفتاة ومارست الرذيلة للحصول على المال للأكل ودفعه للنسوة لتركها تبيت عندهن لأيام فقط .ثم قررت الهروب والتوجه لطلب المساعدة من عناصر مصلحة الاستعجالات المتنقلة وهذا كي لا تعود مجددا الى الشارع وتكون فريسة للوحوش الادمية. وقد استقبلت وتم التكفل بها نفسيا وصحيا في انتظار استكمال الاجراءات اللازمة لتحويلها الى مركز النساء المعنفات بولاية مستغانم ,من اجل بدء حياة صحية وتلقي تكوينا في اي مهنة للحصول على شهادة تمكنها من الحصول على وظيفة وهذا لإعادة بناء حياتها مجددا وتامين احتياجات ابنتها. وفي نفس الوقت سيتم اعادة المحاولة بإقناع اهل الضحية لتقبلها في المجتمع وهذا بمساعدة امام المسجد والسلطات البلدية والأمنية. والهدف ان تعود الفتاة الى احضان العائلة وان تحظى بالحب والحنان .