تخطت أسعار مواد البناء الخطوط الحمراء منذ إعلان وزارة التجارة عن دخول نظام الاستيراد عن طريق الحصص حيز التطبيق و يعتبر الاسمنت و الحديد من بين المواد المعنية بهذا القرار الذي وضعته الحكومة من أجل تقليص فاتورة الواردات و حماية المنتوج المحلي في ظل وجود صناعة استهلاكية محلية ناشئة و كذلك من أجل وضع حدّ لظاهرة الاحتكار التي ميّزت قطاع الاستيراد لسنوات طويلة لكن كان لهذه القرارات انعكاسات سلبية جدّا على المستهلك الجزائري فما إن تم الاعلان عن تقليص فاتورة استيراد الاسمنت و حديد الخرسانة حتى أصاب سوق مواد البناء حمّى غير مسبوقة في الأسعار فلأوّل مرّة زادت بحوالي 50 بالمائة أو أكثر ،و أصابع الاتّهام كلّها موجّهة نحو التجار الوسطاء الذين لا يجيدون سوى مهنة المضاربة و احتكار السّلع و اغتنام أدنى الفرص ليدفّعوا المستهلك ثمن كل القرارات و التغيرات التي تطرأ على الأسواق فقرار فرض رخص استيراد على مادتي الاسمنت و الحديد قد أخلط أوراق الموردين و حساباتهم ففي الماضي كانوا يوردون كميات غير محدودة و بدون ضوابط لكن بعد دخول الاجراء الجديد حيز التطبيق أصبح الاستيراد مقتصرا على عدد محدود من المتعاملين تختارهم وزارة التجارة وفق معايير و شروط معينة ،كما تقلّصت كذلك كميات الاسمنت و الحديد المستورد حفاظا على الصناعة المحلية من المنافسة غير النزيهة و ترشيدا للمال العام ،إذ تعتبر هذين المادتين من بين المواد الاستهلاكية المستوردة التي تثقل كاهل الخزينة العمومية شأنها شأن السيارات الجديدة التي أصبح استيرادها خاضعا لنظام الرخص كذلك منذ هذه السنة كيس الاسمنت أغلى ب50 % و المحيّر أن القرارات التي أرادت بها الحكومة الجزائرية القضاء على ظاهرة الاحتكار زادت من حدّتها في الأسواق الأمر الذي جعل الأسعار تصاب بالجنون بمعظم ولايات الوطن فسعر كيس الاسمنت ذي ال 50 كلغ قفز من 500 دج إلى 800 و 900 دج بأسواق التجزئة بزيادة قدرها 50 بالمائة مع تسجيل تفاوت بسيط بين سوق و آخر أو تاجر و آخر باختلاف سعر البيع بالجملة و لو نسأل التجار عن الأسباب يبرّرون بتناقص كميات الاسمنت المسوّق في هذه الأيّام بسبب قرار التضييق على الاستيراد و تقليص حجمه فقلّ العرض و ظل الطلب في تزايد بسبب كثرة ورشات البناء ،و من التجار من يعتبر هذا الوضع طبيعي و متوقّع لأن المصانع الجزائرية لا يمكنها تغطية الطلب الكبير على هذه المادّة رغم أنها توفّر حاليا 80 بالمائة من الكميات المسوّقة أي حوالي 20 مليون طن سنويا و 20 بالمائة المتبقية يوفرها الموردون. و لم تترد جمعيات حماية المستهلك في رفع شكاوى إلى وزارة التجارة حول ما يحدث بسوق مواد البناء و بالأخص الاسمنت و الحديد فهي تصف الوضع بغير العادي لأن المضاربة حلّت محلّ الرقابة و لاحظت الفدرالية الوطنية لحماية المستهلك ظواهر سلبية كثيرة بسوق مواد البناء و رفعت تقريرها إلى وزير التجارة بختي بلعايب طلبا في تدخل مصالحه لتدارك الوضع قبل أن يحدث نتائج وخيمة على قطاع البناء الذي يسجّل ركوضا كبيرا في هذه الفترة ،كون معظم المقاولين و أصحاب الورشات الخاصّة فضّلوا توقيف الأشغال حتى تستقر الأسعار تفاديا للخسارة و لكن هذا العطل سينعكس على آجال تسليم المشاريع لأصحابها و منها المساكن الريفية و الخاصة . و مع تقليص حجم استيراد الاسمنت و الحديد زاد عدد التجار الوسطاء و الدخلاء على الأسواق لأن في ذلك منفعة لهم ،فدورهم شراء ما أمكنهم من البضاعة المستوردة مباشرة من الموردين دفعة واحدة قبل وصولها إلى السّوق أو حتى قبل رسوا البواخر في الميناء لأنهم أصحاب مال و السيولة تغري الموردين فمثل هذه الصفقات مربحة أكثر و ليس بها خسارة في المال و لا في الوقت .فيبيع هؤلاء الدخلاء السّلع بالأسعار التي يريدون مدركين حاجة السوق إليها ،فالطلب كثير و العرض قليل بسبب قرار تقليص حجم الواردات تراجع واردات الاسمنت ب 34% و الحديد ب 32%
ففي مادّة الاسمنت مثلا قلّت الكميات المستوردة بحوالي 25 بالمائة من حيث القيمة حسب إحصائيات شهري جانفي و فيفري و تراجعت بنسبة 34 بالمائة من حيث الحجم و تراجع حجم استيراد الحديد بحوالي 50 بالمائة من حيث القيمة المالية و حوالي 32 بالمائة من حيث الحجم خلال الشهرين الماضيين و نفس الحال ينطبق على مواد أخرى كالخشب و الخزف و غيرها .و عموما فقد تراجع حجم استيراد مواد البناء بحوالي 26 بالمائة في الفترة المذكورة حسب الديوان الوطني للإحصاء. و هذه المعطيات لا تخفى على المضاربين و على أساسها يقيمون حساباتهم التي لا يدفع ثمنها سوى المستهلك ،و من خلال استطلاع على مستوى بعض نقاط البيع بوهران و تصريحات التجار و بعض أصحاب المقاولات تبيّن بأن سوق الاسمنت لم يعد يخضع لضوابط و قوانين التجارة و المنافسة ،على الأقل في هذه الفترة التي بلغت فيها المضاربة ذروتها ،فقد تعدّد التّجار الوسطاء و ساهموا في رفع هوامش الربح بدليل أن كيس الاسمنت ذو 50 كلغ يخرج من المصانع بأقل من 350 دج و يشتريه المواطن العادي من أسواق التجزئة ب 800 دج أو أكثر و تقلبات أحوال السّوق أضرّت بالمستهلكين العاديين و أصحاب البناء الذّاتي و من ينجزون أشغال ترميم أو بناء لحسابهم الخاص لأنهم ليسوا تجارا و لا أصحاب مقاولات و لا يملكون سجلات تجارية و بالتالي لا يمكنهم شراء الاسمنت من المصانع مباشرة عكس أصحاب المقاولات و مؤسسات الانجاز فهؤلاء يقتنون هذه المادة الأساسية بسعر المصنع و يؤكد معظم التجار على مستوى نقاط البيع بولاية وهران بأنهم أصبحوا يشترون الاسمنت من الوسطاء و قد زاد عددهم فيساهمون في رفع هوامش الربح و خاصّة في فترات الندرة ،و هذا يعني بأن السلعة لا تصل للمواطن بسعرها الحقيقي و أمام هذه الندرة توجّه كل أصابع الاتّهام نحو الوسطاء و الدّخلاء فهؤلاء يقول التجار يملكون سجلات تجارية لمقاولات و مؤسسات بناء وهمية لا وجود لها على أرض الواقع أي أن أصحابها ينشطون في البيع و الشراء و لا يملكون مقرات لمؤسساتهم التي تستعمل كغطاء لاقتناء أكبر الكميات الممكنة من المصانع ثم يسوّق الاسمنت بهوامش ربح مبالغ فيها اغتنام فترات التوقف المبرمج للمصانع هذا المشكل رفعته الفدرالية الوطنية لحماية المستهلك إلى وزارة التجارة بعد معاينات و تحقيقات ميدانية أجريت بالأسواق .و يقول رئيس الفدرالية السيد زكي حريز بأن التجار الوسطاء أصبحوا يفتعلون الأزمة بالاعتماد على قانون الاحتكار فهم أصحاب مقاولات و مؤسسات بناء بدون مقرات نشاط لكنهم يعتمدون على السجلات التجارية لاقتناء كميات كبيرة من المصانع للمتاجرة فيها و يقول أيضا "أصبحنا نشهد ظواهر غريبة في معظم الأسواق و خاصة في المواد و السّلع التي يكون الطلب عليها كبيرا فتفتعل أزمة أو ندرة تجعل أحوال الأسعار غير مستقرّة و لا تعكس التكلفة الحقيقية للسّلعة ففي مادة الاسمنت مثلا يتعمّد بعض التجار من أصحاب المال شراء كميات كبيرة من المستوردين دفعة واحدة فيحتكرون البضاعة بتخزينها لإحداث أزمة مفتعلة في الأسواق ثم يترقبون الفرص السانحة لإخراج البضاعة من مخازنها و بيعها بالأسعار التي يحددونها "و يذكر كذلك بأن فرض رخص الاستيراد و تقليص حجم الواردات من الاسمنت كان من بين أهم الذرائع التي استغلّها المضاربون لتنفيذ خططهم كما يستغلّون كذلك فترات التوقف المبرمج لمصانع الاسمنت كمصنعي زهانة و بني صاف ما ساهم في بقاء حالة الندرة و الغلاء و أمام بقاء سعر كيس الاسمنت في حدود 800 دج اضطر بعض الخواص و المقاولون إلى توقيف ورشات البناء في انتظار استئناف الانتاج بهذين المصنعين حتى تنخفض الأسعار فليس من مصلحة أحد متابعة البناء و كيس الاسمنت يباع بضعف ثمنه الحقيقي .