أثبت المطرب الجزائري العالمي »إيدير« خلال الحفل الكبير الذي أحياه بمدينة الرباط المغربية في إطار مهرجان »موازين« الدولي أنه نجم الأغنية القبائلية وسفيرها الأول دون منازع، بعد أن ألهب ركح المسرح بأغانيه القبائلية المعروفة والتي نالت شهرة واسعة على النطاق العالمي لا سيما الأوروبي، حيث قدم هذا الأخير 13 أغنية من رصيده الفني الذي انبعث من عمق جبال جرجرة ومنطقة القبائل مثل أغنية »أزويت أرويت« وأغنية »السّندو« دون أن ننسى أغنيته الشهيرة »أفافا إينوفا« التي حققت الرقم القياسي في المبيعات لدى صدورها عام 1976 لتكون البوابة الحقيقية لولوجه عالم النجومية، وهو ما جعل حوالي 20 ألف متفرج يردّدون معه هذه الأغنية التي لامست سماء الرباط بموسيقاها العذبة والهادئة التي صنّفت مؤخرا ضمن الموسيقى العالمية واتخذت كنوع من العلاج النفسي في المصحات والمراكز الإستشفائية بأوروبا. وعليه فإن بلبل القبائل قد غنّى لأبناء المغرب الشقيق رغم الإشاعات التي تفيد أنه غير مرحّب به في هذا المهرجان بعد التهديدات التي وجّهت إليه من طرف بعض الجماهير التي أكدت أنها سترميه بالحجارة إذا اعتلى المنصة وأحيا هذا الحفل، وقد جاءت هذه الإشاعات بعد الحملة الشرسة التي شنّّها بعض الأشخاص على »الفايس بوك« مدّعين أن إيدير قد تعامل فنيا مع أحد الإسرائيليين، وهو ما كذّبه نجم القبائل الذي أكد أنها مجرد إشاعة متحديا بذلك هذه الأقاويل والتهديدات التي وجهت إليه، ليقرر إعتلاء المنصة وإحياء هذا الحفل تكريما لضحايا الإعتداء بمقهى »أركانة« بمراكش المغربية، وبالفعل فقد أبدع »إيدير« في الآداء ونجح في التأثير على الجمهور الذي بدا جد سعيد بهذا الحفل الذي شاركه إياه الملحن العالمي »صافي بوتلة« بدليل أنه ردّد معه جل أغانيه وتجاوب بشدة مع المعزوفات الفنية التي نقلت بوضوح عمق الحضارة الأمازيغية والتراث القبائلي العريق، فلم يستطع هذا الأخير تمالك نفسه أمام رائعة »أفافا إينوفا« التي تعتبر أسطورة أمازيغية تداولها الأجيال وتحدث عنها الأسلاف فهي قصة فتاة بربرية اسمها »غريبا« التي تعيش رفقة والدها العجوز »إينوفا« واخوتها الصغار، ولكي تعيلهم تضطر للعمل، وهي في سن العاشرة من عمرها فتلقى صعوبات تجعل منها »ساندريلا القبائل«. وللإشارة، فإن »إيدير« واسمه الحقيقي حميد شريات من مواليد 1949 في قرية نائية بأعالي منطقة القبائل وبالتحديد بقرية »آيت لحسن« حيث اكتشف أستاذه موهبته الفنية وشجعه على دخول الفن والإبداع ليحمل القيثارة وهو في سن التاسعة لكن هذا لم يشفع له بالغناء في المستقبل بل كان حلم إيدير هو إكمال دراسته والحصول على شهادات تمكّنه من تقلّد مناصب هامة، وبالفعل فقد كرّس جل وقته لدراسته الجيولوجيا وانتقل سنة 1973 إلى الصحراء الجزائرية للعمل في مجال البترول والغاز وهناك اكتشف أصدقاؤه وموهبته وذهلوا لصوته الشجي وعزفه الراقي ليقرر بعدها غناء قصيدة »أفافا إينوفا« وتسجيلها بصوته وعلى أنغام آلة القيثار، فسجّلها في استوديو القناة الأمازيغية بالعاصمة لتصبح بذلك من أشهر الأغاني الأمازيغية على الإطلاق وصار الجمهور الجزائري يطالب ببثها على أمواج الإذاعة يوميا بعد أن سحرتهم نغمات الأغنية وألحانها الهادئة وأثر فيهم صوت »إيدير« الذي دغدغ مشاعر المستمعين وحرّك فيهم الإحساس بالهدوء والجمال، ليصدر »إيدير« أول ألبوم له سنة 1976 ضم فيه هذه الأغنية التي اشتهرت بشكل كبير وتكفلت بإنتاجها أكبر شر كة فنية في ذلك الوقت وهي »باتي ماركوني« التي وزعتها عبر العديد من الدول الأوروبية والعربية. وفي عام 1979 قرر »إيدير« إعادة هذه التجربة وإثراء رصيده بمنتوج فني جديد يعزز من مكانته في الساحة الموسيقية العالمية، فكتب مجموعة من الأغاني وضمها في ألبوم »أياراش إناغ« ولم يكن نجاحه أقل من نجاح الألبوم الأول وهوما زاد في نجومية بلبل القبائل الذي عرف عنه أنه قليل الإنتاج بحكم أنه يملك عددا بسيطا من الألبومات لدرجة أن جمهوره من عشاق الأغنية القبائلية افتقدوا إبداعه لمدة عشر سنوات، ليخطو »إيدير« خطوة أخرى نحو الأمام وكان ذلك سنة 1991 عندما أعاد تسجيل 17 أغنية من الألبومين الأولين وأحيا عددا من الحفلات الفنية الساهرة بباريس والمناطق المجاورة، وعام 1993 عاد بعمل فني آخر من خلال تعامله مع فرقة »سيلفيري« وإنجازه لديوو غنائي مع »آلان ستيفان« بعنوان »أسالتين« وآخر ما انتجه »إيدير« هو ألبوم »ألوان فرنسا« الذي تطرق من خلاله لعدة مواضيع إجتماعية وإنسانية ناهيك عن إحيائه للعديد من الحفلات الفنية بأوروبا والمغرب العربي أبرزها الحفلة التي أحياها بتونس الشقيقة إحتفاء بالثورة العربية وتقديرا للشباب التونسي الذي طالب بإستقلاليته وإصلاح أوضاعه ليبقى »إيدير« سفير الأغنية الأمازيغية المطرب الجزائري الأول الذي إهتم بالثورات العربية وشجع على حرية التعبير من خلال حضوره الفني المميز وأغانيه القبائلية المنبعثة من عمق الحضارة البربرية التي وصلت أصداؤها لجميع أنحاء العالم من خلال صوت أسطورة الفن القبائلي وصاحب رائعة »أفافا إينوفا«.