لفت نظري الكاتب الصحافي رياض محمد، الذي نشر في صفحته الرسمية في الفيسبوك، إشارة لوثائق رسمية أمريكية تتحدث عن تفاصيل حكومات البعث في العراق، وكان بينها وثيقة تناولت تفاصيل أول انقلاب مضاد لحكومة البعث الثانية، الذي جرى بعد أقل من عام واحد من سيطرتهم على السلطة في يوليو 1968، إذ عرفت المحاولة الانقلابية في الأدبيات السياسة باسم الضابط الذي خطط لها، وكان من المفترض أن يقود انقلابا يطيح نظام البعث، الزعيم الركن عبد الغني الراوي، وهو نائب رئيس الوزراء في عهد عبد الرحمن عارف، الذي وصفه غسان شربل ب(رجل الانتفاضات والانقلابات) في لقائه معه والمنشور على حلقات في جريدة «الحياة اللندنية» في سلسلة (يتذكر). «مؤامرة عبد الغني الراوي» هي محاولة انقلابية خطط لها الراوي بالتنسيق مع المخابرات الإيرانية (السافاك) بدعم وتمويل سعودي، كما أشار بعض المشتركين في المحاولة مثل، سعد صالح جبر، إلى أنهم أطلعوا الإدارة الأمريكية على الأمر، وأنهم حصلوا على ضوء أخضر منها. أجهزة الأمن العراقية استطاعت مبكرا اختراق صفوف المخططين للانقلاب، وتم اعتقال بعضهم، وكانت النتيجة محاكمة (ثورية) حكمت بإعدام عشرات الضباط وبعض المدنيين، كما حكمت غيابيا على عبد الغني الراوي وعبد الرزاق النايف غيابيا بالإعدام، لأن الأول كان هاربا إلى طهران، والثاني كان هاربا إلى لندن. الوثيقة الأمريكية المشار لها في عنوان المقال، كتبها تالكوت ويليامز سيلي وهو دبلوماسي أمريكي شغل منصب المدير القطري للبنانوالأردن والجمهورية العربية السورية والعراق من عام 1968 إلى عام 1972، وقد كتبت المذكرة/الوثيقة بناء على حوار تم مع رجل أعمال عراقي غامض هو المليونير لطفي العبيدي، وعنوان الوثيقة الأمريكية والجهة المسؤولة عنها هو «العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، 1969-1976، المجلد E-4، وثائق عن إيرانوالعراق 1969 – 1972، رقم الوثيقة 262 «، ووصفها بأنها مذكرة محادثة، وتاريخها: واشنطن 15 تشرين الأول/أكتوبر 1969، وهنالك عنوان داخلي هو «كيف تشتري ثورة: حديث مع رجل أعمال عراقي ناشط». يشير سيلي في مطلع المذكرة إلى أنه «رداً على طلب هاتفي من السيد روبرت أندرسون (وزير الخزانة الأمريكي الأسبق) وافقت على مقابلة السيد العبيدي، الذي كان يقدم نفسه باستمرار، على أنه مجرد رجل أعمال يساعد أصدقاءه وأنه ليس سياسيا، وتم الاتفاق على تناول طعام الغداء لسماع ما سيقوله عن رحلته الأخيرة إلى الشرق الأوسط». ويبدأ سيلي بسرد الاحداث فيقول، ذكر العبيدي أن عملية إطاحة نظام البعث الحالي في العراق من قبل مهاجرين عراقيين، يعملون مع الأكراد والإيرانيين، ولتي كان من المقرر إجراؤها الأسبوع الماضي في أغسطس 1969 قد تعثرت بسبب الغباء والعناد الإيرانيين. وزعم أن الإيرانيين وضعوا كل رهانهم على حصان واحد هو العقيد محمد علي سعيد قائد اللواء العاشر المدرع المسؤول عن حماية بغداد. وكان الإيرانيون قد عرضوا على سعيد 30 ألف جنيه إسترليني لمشاركته في التحضير للانقلاب، وانخرطوا في الاعتقاد بأنه كان مفتاح العملية برمتها». يضيف العبيدي، ولحسن الحظ فقد سرّب نائب قائد الفرقة التابع لها لواء محمد علي سعيد كلمة للمهاجرين العراقيين الذين يخططون للانقلاب وأعلمهم بأن سعيد عميل مزدوج، وقد أبلغ النظام العراقي بالعرض الإيراني، وكان طامعا في مقابل خدماته برتبة ومنصب أعلى يتلقاه من نظام البعث. وكانت مهمة محمد علي سعيد جذب المفاوضين الإيرانيين إلى بغداد، على الأرجح بشكل سري، لجلستهم التالية، بدلاً من مقابلتهم على الحدود، والتخطيط للقبض عليهم متلبسين بمجرد وصولهم إلى بغداد. وقد رقي محمد على سعيد لاحقا إلى رتبة عميد، وعين مكافأة لخدماته مديرا للاستخبارات العسكرية، لكن صدام حسين أعدمه منتصف السبعينيات نتيجة شكوكه في ولائه. وعندما سأل سيلي العبيدي عما يمكن أن يفعله الثوار تجاه القوة الجوية العراقية، قال العبيدي، إن الخطة كانت الاستيلاء على قواعد كركوك والموصل والحبانية في وقت واحد، وبالتالي تحييد القوة الجوية العراقية. كما زعم العبيدي أن قائد القوات العراقية في كردستان ليس بعثياً، وهو مستعد للانضمام إلى «الثورة» بمجرد التأكد من أن فرص النجاح ممتازة. أما العقيد محمد علي سعيد، من ناحية أخرى ، فهو بعثي وله اتصالات بعثية جيدة، ومع ذلك، اعتقد العبيدي أنه إذا عرض عليه ما يكفي من المال (ربما 200 ألف جنيه إسترليني) فإن نزعته الارتزاقية ستطغى على صلاته الأيديولوجية. وقال العبيدي لمحدثه الدبلوماسي الأمريكي، إن عبد الغني الراوي، أحد أهم المخططين العراقيين للانقلاب، قد أصبح في الفترة الاخيرة محبطًا للغاية، وحاول البعثيون استمالته، وبحسب العبيدي، فإن البعثيين عرضوا عليه المال ومنصب سفير. من ناحية أخرى أعرب العبيدي عن تفهمه، أن المملكة العربية السعودية قد استثمرت بعض الأموال في التهيئة للانقلاب عبر إيران، لكن كانت لديه بعض الشكوك حول ما إذا كانت هذه الأموال قد وصلت إلى الملا مصطفى بارزاني. وقال إنه يخشى من أن المسؤولين الإيرانيين يصرفون أموالا مخصصة للتمرد الكردي العراقي، ووصف الإيرانيين الناشطين في محاولة الانقلاب بأنهم من ذوي العيار المنخفض. وذكر العبيدي لسيلي أن هناك خمس مجموعات مختلفة من المهاجرين العراقيين تتآمر معا، وأن كل مجموعة تدعي أن لديها اتصالات جيدة داخل العراق، وتبقى المشكلة الرئيسية هي تنظيم العملية. وأعرب عن أسفه لأن سعد صالح جبر، الذي غادر الولاياتالمتحدة متجها إلى لندنوطهران للمساعدة في جهود الانقلاب، ادعى أنه كان على اتصال بمسؤولين في الحكومة الأمريكية، وألمح إلى أنه حصل على دعم من حكومة الولاياتالمتحدة. وقال العبيدي إنه استدعى جبر، في وقت من الأوقات ووبخه على إدعائه بمثل هذه المزاعم، سواء كانت صحيحة أم لا. وأكد أن الكشف عن أي هوية مع ضابط مخابرات إيراني لن يكون مفيداً. وهنا يذكر سيلي للعبيدي، أننا كنا قلقين أيضاً بشأن التقارير التي انتقلت إلينا بشأن مزاعم جبر بالحصول على دعم من حكومة الولاياتالمتحدة. وأعرب العبيدي عن قلقه من أن الزخم الذي تولد الصيف الماضي لجهود الانقلاب تباطأ تدريجياً، واعتقد أنه بعد شهرين أو ثلاثة أشهر سيكون من الصعب الحفاظ على تعاون المجموعات المختلفة. وأعرب عن وجهة نظر مفادها، أنه ما لم يٌقدم شاه إيران، وربما الملك فيصل بن عبد العزيز دعمهما الكامل للانقلاب، فإنهما أيضا سوف يسيران في نهاية المطاف في طريق الأنظمة المحافظة الأخرى المعرضة للهزات والانقلابات. وقال العبيدي إنه يعتقد أن الكويت ستكون التالية على القائمة، وقال إنه بسبب خوف النظام الكويتي من العراق، فلا يمكن توقع دعم من الكويتيين. وتأتي خلاصة الوثيقة الأمريكية في إشارتها إلى نفي علاقة الأمريكيين ب»انقلاب عبد الغني الراوي» إذ يذكر سيلي تساؤل العبيدي عما إذا كان بإمكان حكومة الولاياتالمتحدة أن تقدم أي مساعدة، فيجيبه سيلي بشكل قاطع بالنفي. ويقول «قلت إنني سأكون سعيداً بالاستماع إلى ما سيقوله، ولكن من الواضح أن حكومة الولاياتالمتحدة لا يمكنها المشاركة». فتساءل العبيدي عما إذا كان بإمكاني تقديم أي نصيحة له على الإطلاق. وأشار إلى أن الشاه كان قادماً إلى الولاياتالمتحدة وتساءل عما إذا كان هذا قد يمثل فرصة لمسؤول أمريكي للتحدث مع الشاه حول محنة المتآمرين. قلت إنه لن يكون من المناسب لنا القيام بذلك، وأخبرت العبيدي بأنه حر في محاولة إقامة اتصال وتنسيق مع الشاه، من خلال عمله الأمريكي، أو أي اتصالات أخرى. في تعليقه على هذه المذكرة، كتب جيه توماس ماكندرو السكرتير الثاني للسفارة الأمريكية في لبنان، إلى سيلي قائلا «اطلعت على مذكرتك في 15 أكتوبر 1969 حول الحديث مع لطفي العبيدي عبر مكتبي، وقد تحدثت مع سعد صالح جبر، وعلى الرغم من أن سعد لم يذكر اسم لطفي، إلا أنني لا أشك للحظة في أن الاثنين يلعبان في الفريق نفسه. لقد تحدث جبر باقتناع كبير وشعور قوي بأن الوقت ينفد بالنسبة للولايات المتحدة، إذا لم تقم إما بتغيير سياستها بشكل جوهري تجاه العرب، أو تشجيع العناصر المعتدلة القليلة المتبقية في الشرق الأوسط. وكان يضع في هذه الفئة الأخيرة، بالإضافة إلى مجموعته، الأكراد تحت قيادة الملا مصطفى بارزاني، ودروز سوريا، وبدو الأردن، واللبنانيين، وبعض العناصر في اليمن. يبدو لي أن المجموعة التي تسعى لإطاحة النظام القائم لن تكون لديها فرصة كبيرة للنجاح ما لم تتمكن من الحصول على دعم من مكون مهم من المؤسسة العسكرية المحلية». القدس العربي