ما يحدث في الجنوب من احتجاجات وغضب، يحيل إلى مقولة ساقها الوزير الأول السابق أحمد أويحيى من ولاية بومرداس قبل رحيله، قال فيها أن "امن الجزائر من أمن قراها وبلدياتها"، واليوم وصلنا إلى حقيقة ما قاله أويحيى، بمشهد يتكرر دوما، غضب شباب الجنوب. هل تفي الإجراءات التي وعد بها عبد المالك سلال، خليفة احمد اويحيى، لإطفاء لهيب الحركة الإحتجاجية؟، السؤال هذا يحيلنا إلى إجراءات سبق وان اتخذتها الحكومة لفائدة سكان الجنوب، منها تخفيض فواتير الغاز والكهرباء، لكن المعضلة الأكبر ليس في فاتورة الغاز والكهرباء وإنما في الشغل، لقد تبادل شباب الشمال والجنوب الوجهات، لما صار الشاب القاطن في الشمال يهاجر إلى الجنوب للعمل في الشركة البترولية سوناطراك، بينما شاب الجنوب حل بالعاصمة، ليبيع "الشاي" في الطرقات، حاملا معه معدات من لوازم "التاي" يجوب بها الشوارع، يا لذلك المنظر؟ ارتفع سقف الشباب في الجنوب أن يحلم ببيع التاي في شوارع العاصمة، وفي الشواطئ خلال الصيف، لعلهم يحظون بمعيشة سكان الشمال، وأي معيشة، وضع يعكس إحساس رهيب بالاغتراب وبالحقرة، وهذه المرة، تصاعدت الاحتجاجات بشراسة، وزاد وعيد أهل الجنوب ضد الحكومة، التي وجدت نفسها مجبرة على اتخاذ إجراءات لاحتواء الوضع من جديد، فهل تفلح هاته التدابير الجديدة في إخماد لهيب الاحتجاجات، أم أنها ستكون كغيرها التي سبقت، بينما معلوم أن الوزير الأول عبد المالك سلال معروف عنه الصرامة في التنفيذ، باعتباره تقنوقراطيا لا يولي اهتماما للجانب السياسي بقدر ما يولي اهتمام للجانب التقني، وهو ما يجعله متحررا من الالتزامات السياسية. أدت "الحقرة" إلى كبت اجتماعي مر، فمقهورون تجرعوا مواد سامة وآخرون عانقوا المشانق وشبانا قطعوا الوريد بشفرات الحلاقة وارتموا على الأسلاك الكهربائية، بفعل الإحباط والفضاء المسدود، بينما المحظوظون الذين يرفضون الانتحار الذي تضاعفت أرقامه بالجزائر بشكل مريب، فجعلوا "التمرد" فعلا بديلا عن الموت، في وقت أظهرت تجربة "الاحتجاجات" في مختلف الولايات، أن غضب المواطنين ولجوءهم إلى قطع الطرقات وحرق العجلات المطاطية، هو آخر فعل في "مسيرة" الجري وراء المسؤولين. وعندما يتم إحصاء أزيد من 11 ألف احتجاج في الشارع في ظرف سنة واحدة فقط، وهي الاحتجاجات التي سجلتها مصالح الأمن، فهو دليل على العجز عن الذهاب إلى معالجة جوهر المشكلة التي تجعل المواطنين يخرجون إلى الشارع، وتكتفي الحكومة كالعادة بالمعالجة السطحية. الإحتجاجات التي يقوم بها شباب الجنوب ليست وليدة اليوم، بل سبق لآلاف الشباب أن قطعوا الطرقات واحتجوا في الجنوب احتجاجا على إقصائهم من التوظيف في الشركات البترولية العاملة في الصحراء، وفي كل مرة كانت الحكومة تتدخل لاحتواء الوضع من خلال صيغ عديدة ومتعددة، تتداخل فيها تدابير حول الشغل والأمور الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، لكنها لم تكن كافية لأجل إضفاء طابع من المساواة بين الشمال والجنوب أو على الأقل هذا ما يعتقده سكان الجنوب الذين يرون أن آبار النفط بقربهم لكنهم محرومون من العمل فيها. يحدث هذا في ظل تحييد المسؤولين، مكاتب الاستقبال والتوجيه، من هياكل البلديات أو الولايات، ولسكان البلديات النائية، ما يقولون، وثمة قلة قليلة من البلديات التي انتبه مسؤوليها لوضع سجلات، في متناول المواطنين في أروقة الحالة المدنية، لتسجيل ملاحظاتهم، لكن الإجراء بقدر ما يعتبر حضاريا، سبقت إليه مصالح الأمن في محافظاتها، بقدر ما حوله بعض الأميار إلى طريقة، رأوا أنها المثلى لتفادي "تكسار الرأس" وتحاشي استقبال المشتكين في مكاتبهم، حتى أن تلك السجلات، ترمى في كثير من الأحيان مع فضلات شهادات الميلاد والإقامة والشهادات العائلية وغيرها.