غامر عازف الموندول محمد روان بتقديم موسيقى بلا غناء لمستمع تربت ذائقته الفنية على سماع الصوت البشري غناء وأهازيج شعبية واستطاع أن يكسب رهانه الموسيقي ليشكل عند الجزائريين حالة مختلفة، ويستمعون إلى مقطوعاته بكثير من الإعجاب. قطع روان رحلة العصامي، باحثا عن موسيقى تستدعي كم المشاعر والأحاسيس التي يحملها في داخله. كوّن فرقة (ميديتيرانيو) منذ عشرين سنة وكان يلحن ويعزف على الغيتار، ولكنه يرجع في وحدته إلى الموندول الذي يناجيه، حتى كان اليوم الذي لحن فيه وهو يسمع أذان الفجر أول قطعة موسيقية فيها كثير من التسبيح والتهليل، وهو اللحن الذي تعود الجزائريون - فيما بعد- على سماعه قبل رفع الأذان وبعده في الإذاعة الجزائرية. يقول روان "كان الواحد منا يخجل من حمل هذه الآلة في الشارع، لأنها توصف بأنها آلة الزقاق الضيق، الذي يلتقي فيه شباب هواة، ليعزفوا ويغنوا موسيقى لا تتجاوز أحياءهم". التقى روان عام 2004 الفنان العراقي نصير شمة، الذي أعجب بهذه الآلة الوترية أيما إعجاب، وأخذ واحدة ليتعلم العزف عليها، وقد دعا روان إلى بيت العود في دار الأوبرا بالقاهرة، ليعزف لطلبته موسيقى على هذه الآلة الغريبة. ويقول محمد "كنت قد أخرجت ألبومي الأول "حلم" الذي أعجب به نصير شمة، ولكنه وصف موسيقاي بالسياحية، فتأنيت في إخراجي ألبومي الثاني، وقد فتح لي نصير شمة عوالم جديدة بعوده لأكتشف آلة تحمل أنغاما... وترسم عوالم لم أعرفها، من خلال موسيقى الصورة عنده، وقد كنت بدأت مشروعي في موسيقى روحية، تستدعي أحوالا للتأمل، وترتقي بالسامع إلى الصفاء النفسي من خلال الموندول". وقد عُرف الموندول عند عميد الأغنية الشعبية الجزائرية "محمد العنقى" آلة وترية مضافة إلى العود والبونغو والموندولين وهي الأخت الصغرى للموندول. ويخلط كثير من الناس بينهما باعتقادهم أن الآلتين شيء واحد، ولكن العلاقة بينهما لا تعرف بالضبط، ولا أيهما الأولى، وإن كانت آلة الموندولين أسعد حظا لحياتها الغنية منذ ظهورها إلى اليوم. ويذهب الباحث في الموسيقى عبد الحكيم مزاري إلى أن هذه الآلة إيطالية الأصل وقد ظهرت عام 1322م واستعملت عندهم وعند أوروبيين آخرين، إلى أن لفها النسيان ودخلت المتحف، ثم عادت إلى الوجود فاستعملها عميد الأغنية الشعبية الجزائرية امحمد العنقى، واستمرت جزءا مهما من آلات مؤدي أغنية "الشعبي"، حتى تكفل محمد روان بإعادة إحيائها بالشكل الذي عرفت به عنده. ويقول روان "آليت على نفسي أن أقدم هذه الآلة إلى العالم وأثبت أنها قادرة على حمل كثير من مشاعرنا"، ومندوله -كما يقول- لا يعرف ربع المقام ولكنه ينفعل مع النغم العربي الأصيل ومع الموسيقى الغربية على السواء. صحيح أني قسمت الخانة الواحدة في الموندول إلى ثلاث خانات حتى أقترب من ربع المقام، ولكن 90% من ربع المقام هنا إحساس يأتي من داخلي، هكذا أشعر". ويبقى جمال الموسيقى التي يبثها الموندول كما يرى الموسيقي عبد القادر حوتي ليس في ربع المقام في حد ذاته، بل "إن الجمال في تطعيم الموسيقى بالروح العربية التي تستدعي الإعجاب بالنغم الذي نسمعه". أما الشاعر الموسيقي محمد فؤاد ومان فيقول: "إن أول ظهور لمحمد روان كان بمقطوعات موسيقية تحمل في طياتها روحا تأملية، أعطى من خلالها بُعدا آخر لآلة الموندول التي وضعها في الواجهة، بتوزيع موسيقي موفق إلى حد ما، وبتمكنٍ وإتقان جعله يبدع في تقديم الموندول من جديد كآلة محترمة لديها ما تقوله في عالم الآلات الموسيقية". ويتحدث كثير من الناس عن هذه الموسيقى الروحية التي يقدمها محمد روان في الجزائر ويسافر بها إلى الخارج، ويرونها جديدة كل الجدة، فيها من الإبداع الكثير، كما هو حال الموسيقي عبد القادر حوتي، بينما ينظر إليها الفنان محمد فؤاد ومان بشكل آخر إذ يقول "إن روان اقتصر في موسيقاه على مقامات موسيقية معينة بحكم تكوينه الموسيقي الغربي حيث يقدم مقامات العجم والنهاوند والكرد والحجاز والحجاز كار، والنواثر، وهي مقامات خالية من ربع المقام العربي. كما اعتمد -بحسب ومان- "على المزج بين الروح العاصمية والإسبانية التي بدأ بها مشواره الفني محاولا دخول عوالم أخرى جديدة قصد التميز في تقديم موسيقاه" وينظر إليها آخرون باستغراب قد ينكر عليه كلاسيكيو الأغنية الشعبية التغيير في موسيقى فنانيهم، أما روان فهدفه الاستفادة من كل أنواع الموسيقى، وكما يقول "قد تسمع بين أوتاري التحليق في عوالم سحر الشرق وتأوه موسيقى الشعبي الجزائري أو صرامة إيقاعات الجاز أو حزن الموسيقى التركية أو شيئا من تأمل النغم الهندي بخاصة في أعمالي الأخيرة، لا حدود للموسيقى لا لون ولا رائحة، إنها الإنسان في تجلياته البشرية"، والطريق كما يراه محمد روان ما زال طويلا أمام مشروعه مع هذه الآلة الموسيقية، ولكنه يقول إنه سعيد كل السعادة لأنه استطاع أن يخرج الموندول لكل هذا الاهتمام الذي يلقاه في الجزائر وفي الخارج.