هناك العديد من الأفلام ظهرت في السنوات الأخيرة تسلط الضوء على إشكالية الهويات بين العرب انتمائهم وجنسيتهم الفرنسية والجذور العربية، لكن أجمل الأفلام تأتي من الجزائر، عندما يتناول مخرج جزائري هذا الموضوع يكون له نكهة خاصة تجد المرح وروح الدعابة. تحس بالمشكلة وأنت تضحك بل قد لا تتوقف عن الضحك كما في فيلم "مولود في مكان ما" للمخرج الفرنسي من أصل جزائري محمد حميدي وبطولة النجم الكوميدي الكبير من أصل مغربي جمال دبوز وتوفيق جلال، الذي قام بدور الشخصية الرئيسية فريد. تدور قصة الفيلم حول قصة فريد شاب فرنسي من أصول جزائرية له صديقة فرنسية ويطمح أن يكون محاميا يدفعه والده للسفر إلى الجزائر لإنقاذ بيت العائلة رغم تردده إلا انه يلبي رغبة أبيه، فيسافر. يستقبله ابن عمه في القرية، يكتشف بيت العائلة والأهل والأصدقاء، يشعر بالغربة فهو لا يجيد اللغة العربية، يخوض معركة صعبة من اجل إنقاذ بيت العائلة كون البلدية تريد هدم العديد من البيوت من اجل مشروع. ويظن انه سوف يمكث مدة أسبوع لكن الإجراءات الروتينية تطول ثم تكون الكارثة كون ابن عمه يسرق جواز سفر وبطاقاته الثبوتية، يحاول استخراج بدلا فاقدا، يتعثر بالروتين في السفارة الفرنسية عليه أن يعود بسرعة إلى فرنسا لأمر يتعلق بدراسته ومستقبله، يضطر إلى ركوب البحر وهكذا يصل إلى فرنسا مع مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين ولحسن الحظ تنقذه حبيبته. يوضح المخرج في إحدى المناسبات الصحفية في مهرجان كان عام 2013 أن فكرة هذا الفيلم يعمل عليها منذ 2004 ويقول "ملاحظات فريد بشأن جذوره ومشاعر عقدة الذنب تجاه عائلته الجزائرية هي أسئلة طرحتها على نفسي قبل هذا العمر". ثم يضيف أن الفيلم تناول أيضا الهجرة غير الشرعية فيقول "حاولت أن أفسر لماذا يجازف رجال ونساء بهذا الشكل من أجل مغادرة بلادهم، لا ليس للاستفادة من الضمانات ومن الإجازات المدفوعة الأجر، إنما من أجل تأمين مستقبل أفضل لأبنائهم. نتكلم دائما عن الهجرة بشكل عام لكننا ننسى أن خلفها تكمن قصص صغيرة شخصية متعددة. " منذ اللحظة الأولى يطرح المخرج الأسئلة المقلقة، الشخصية الرئيسية تروي لنا الحكاية ما حدث، لا تدري ما حدث كان جيد أو غير جيد وهل روايتها للحكاية أيضا جيد أم غير جيد؟ ثم يحكي فريد دائما ما كان البعض يسأله عن هويته وأين كان مولده؟ كان ينطق اسم الجزائر لكنه لا يعرف هذا البلد ولم يفكر بزيارته أي أن إحساس البعض وامتلاكهم للجنسية الفرنسية يلغي الحديث عن الأصل، هناك الكثير من العرب يفعلون ذلك، البعض منهم لا يقترب من أي شيء له رائحة عربية بل قد يتقزز وينفخ صدره في تعالي يقول لك أنا فرنسي، شخصية فريد لا تنتمي للفئة المتعالية لكن لم يسبق له زيارة الجزائر والتعلق بتراثها أي انه يحس أصله فقط عند دخوله البيت، أبوه أو أمه قد يتحدث احدهم العربية باللهجة الجزائرية أو عند الأكل عندما تكون هناك وجبات شعبية، وقته يقضيه في الجامعة أو مع صديقته التي هنا نجد لها دورا ايجابيا وفعالا فهي تقريبا المنقذ من تعيده وتمنع إرجاعه إلى الجزائر باعتباره متسلل بطريقة غير شرعية، هو يكتشف أن رغم هذا العمر بهوية فرنسية فهو يعجز إثبات انه فرنسي يعجز في السفارة الفرنسية بالجزائر ويعجز مع المحقق في مخيم استقبال المهاجرين غير الشرعيين، لكن محمد حميدي في الفيلم يهمل الحبيبة، صحيح نجدها تحاول الاتصال به ويعجز عن الاتصال بها بسبب مشاكله، ربما لو أن المخرج نظر إلى هذا العنصر بنظرة أخرى ومنحها قوة اكبر كانت ستضيف لفيلمه الكثير لكنه ربما لا يريد الغرق في منحى عاطفي كونه يقر في إحدى المناسبات بأنه أخرج فيلما اجتماعيا وسياسيا :" كنت دائما ملتزما، وأحاول معالجة المواضيع مثل الهجرة بشكل لا نزاعي. نقوم بنفس العمل مع جمال دبوز، نقول أشياء عن الاختلاط لكن دائما بطريقة متفاوتة" وجود جمال دبوز بنجوميته الرائعة وروحه الفكاهية البسيطة خلق نكهة كوميديه مرحة جدا نحن هنا رغم وضعية فريد التعيسة إلا أن شر الأمور ما يضحك، في المقهى نجد قصصا وأحلاما أخرى مثال لذلك لديهم صديق قام بتقديم طلب الفيزا أكثر من مئة مرة وكل مرة يتم رفض منحه الفيزا رغم انه يريد الزواج من ابنة عمه هناك، أي انه في حالة جمود، حياته كلها متوقفة على تأشيرة الدخول ومع ذلك هذا الشخص عندما تتاح له الفرصة الذهاب بالقارب يعود. رغم أن الفيلم لم ينطو على نظرة سلبية تجاه الجزائر إلا أن الملاحظ لم يجد اهتماما كبيرا إعلاميا فلا تجد حديثا كبيرا عن الفيلم ربما كون الفيلم لم يزخر بالاحتفال الكبير للتراث الجزائري كعادة الكثير من الأفلام الفرنسية التي يتم إخراجها من مخرجين لهم أصول جزائرية، بعض النقاد اعتبر هذا مكسب جيد للفيلم باعتبار المشاهد التي تسلط الضوء على العادات والتقاليد والفلكلور الجزائري أصبحت مكررة والبعض الآخر يعتبرها ضرورية لجذب الجمهور الجزائري. الأمر الآخر أن محمد حميدي لم ينزع بقوة نحو العاطفة كما ذكرت الحبيبة الفرنسية ظلت في فرنسا ولم نجده في هيام الغرام، وحتى عندما وجد شابة جزائرية جميلة في القرية كنا نظن ستكون علاقة غرامية كون نظرات الشابة كانت مكللة وموحية بالإعجاب، لكن المخرج أهمل كثيرا العاطفة معتمدا على سلاحه الأول والقوي وهو الدعابة والضحك. . يتعرض المشاهد لوابل صاعق من النكات التي يأتي بها جمال دبوز مقدرته الفائقة على قلب أي موقف حتى وإن كان جادا قد يقلبه إلى نكته ويشيع في المكان المرح والضحك، الشخصيات التي تحيط به أيضا كانت خفيفة الظل تضحك من واقعها تعبر عن الرفض لهذا الواقع ونقده والرغبة والحلم بالمستقبل كانت الأداة هي النكتة، لم يدخل الفيلم في منحى حزن درامي وميلودراما جافة. الفيلم كان مسليا بحسب بعض تعليقات الجمهور بعدد من المواقع والكثير ربما جاء من اجل مشاهدة جمال دبوز رغم أن له دور ثانوي إلا أن المخرج حرص على حضوره اكبر مساحة ممكنة حتى المشاهد التي غاب عنها كانت روحه وذكر اسمه وتصرفاته موجودة، كان المتفرج متعلق بعودة جمال دبوز الذي يقوم بدور ابن عم فريد الذي سرق جوازه وهرب إلى فرنسا وهناك استغل المال وهويته ليرتكب بعض الحماقات .