منح ألف دينار لممرض فقرّب له موعد السكانير من 20 يوماً إلى 24 ساعة يتقاضى 400 دينار من مريض مقابل تحاليل تُجرى بالمجّان بعد انتشار مظاهر الإهمال والأخطاء الطبية وتأجيل مواعيد العلاج وغياب الإنسانية في التعامل مع المرضى، انتشرت آفة جديدة بالمستشفيات، باعتراف وزارة الصحة في آخر تقرير لها بعد الحملة التفتيشية التي قادت الوزير إلى مختلف مستشفيات الوطن، وهي الرشوة، حيث بات المواطنيدفع أموالا ويقدّم هدايا للاستفادة من العلاج، وبات عون الأمن والمنظفة والممرض يتحكمون في مواعيد العلاج حسب شهادة الكثير من المرضى الذين أصبحوا يلجؤون إلى "المعريفة" أو "التشيبة" من أجل العلاج في مستشفيات الدولة. اعترفت وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات في آخر تقرير لها حول وضعية المستشفيات العمومية بعد الحملة التفتيشية التي قام بها الوزير، بانتشار الرشوة في المؤسسات العمومية، خاصة بعد تلقي مديري الصحة لتقارير وشكاوى من جمعيات المرضى مفادها إجبار المرضى بطريقة غير مباشرة على دفع مبلغ مالي معين أو هدية من أجل الاستفادة من موعد طبي أو صور للأشعة أو إجراء التحاليل الطبية، ما ساهم في هجرة جماعية للمرضى من المستشفيات إلى العيادات الخاصة، ما دفع الوزير إلى نشر تعليمة تقضي بطرد كل طبيب أو ممرض وحتى بروفيسور يتورّط فيتحويل المرضى إلى العيادات الخاصة أو القيام بممارسات لا أخلاقية على غرار قبض رشوة أو طرد مريض أو رفض تقديم العلاج.. وكشف تقرير وزارة الصحة تحكّم جهات خفية في مواعيد الخضوع لأجهزة الإشعاع "سكانير" حيث تبيّن أن ممرضا بسيطا أو عون أمن يقوم بتمكين من يقصده بالموعد مقابل تلقي رشوة، كما يمكن التمادي في تأكيد المرضى بأن الجهاز معطل، بالرغم من أنه يعمل، من أجل إرغامهم على دفع رشوة أو تحويلهم إلى العيادات الخاصة.
200 دج لرؤية الرضيع بعد الولادة هي قصص كثيرة استقبلتها "الشروق اليومي" من طرف مواطنين، تتحدث عن إجبارهم على دفع رشوة من أجل نيل حقوقهم الطبية التي ضمنتها لهم الدولة في المستشفيات العمومية التي تتلقى أزيد من 200 مليار سنتيم من الأموال الاجتماعية للجزائريين، من أجل ضمان الرعاية الصحية والإطعام والإيواء في المستشفيات. ومن بين الشهادات التي استقبلناها شهادة مواطن وضعت زوجته رضيعها في عيادة عمومية متخصصة في طب النساء والتوليد بالجزائر الوسطى، وبعد الولادة سارع إلى رؤية طفله والاطمئنان على زوجته، فمنعته إحدى القابلات وقالت له إن الأمر ممنوع ويجب عليه الانتظار إلى اليوم الموالي، فما كان عليه إلا إخراج ورقة من 200 دج من جيبه وأعطاها للقابلة التي سمحت له برؤية طفله وهي تبتسم وترحب به.
1000 دج للاستفادة من "سكانير" شهادة أخرى كانت لمواطن لجأ إلى دفع مبلغ 1000 دج لممرض بمركز التصوير الطبي بمستشفى عمومي مقابل استفادته من تعجيل موعده الطبي لإجراء أشعة بجهاز "سكانير". محدثنا قال إنه كان في حالة مستعجلة وتعرض لجلطة دماغية كانت تتطلب إجراء تصوير طبي مستعجل بجهاز"سكانير"، فلجأ إلى المستشفى وتحصل على موعد طبي بعد 20 يوما، ولم يكن يملك ثمن إجراء هذا الاختبار الطبي في القطاع الخاص والذي يتراوح سعره بين 12000 و18000 دج، فما كان عليه سوى دفع مبلغ 1000 دج لأحد الممرضين الذي قرب له الموعد إلى اليوم التالي أي بعد 24ساعة من الإصابة، وأضاف أنه كان "مضطرا" لدفع الرشوة ولم يكن لديه خيار لأن الأمر يتعلق بصحته.
500 دج للحصول على سيارة إسعاف قضية أخرى شهدها مستشفى بالعاصمة، حيث لجأ مواطنٌ إلى دفع مبلغ 500 دج لسائق سيارة إسعاف من أجل تحويل مريضه إلى مستشفى آخر، حيث أكد مصدرنا أنه نقل والده الذي تعرض لكسور على مستوى القدم اليسرى إلى مستشفى بأعالي العاصمة، ثم تمّ تحويله إلى مستشفى بن عكنون، ولم يكن يملك سيارة لنقل والده الذي كان في حالة حرجة تتطلب نقله بسيارة إسعاف، وهذا ما رفضت إدارة المستشفى توفيره للمريض، فما كان عليه إلى الاقتراب من سائق سيارة الإسعاف وقال له: "نعطيك واش تحب يسلك بابا برك". فقال له السائق: ادفع لي ثمن "المازوت" فقط،فأعطاه مصدرنا 500 دج، واستفاد من سيارة الإسعاف، مؤكدا أن هذا الأمر كان بمثابة الحل الأخير لإنقاذ والده المسن.
تحاليل طبية في المستشفى ب 400 دج قصة أخرى كانت لمواطن من حي البساتين ببئر خادم، لجأ إلى استعجالات مستشفى كبير بالعاصمة بعد تعرّضه لارتفاع كبير في نسبة السكري، وبعد استفادته من جرعة إضافية من الأنسولين من طرف الطبيب، طلب منه إجراء تحاليل طبية لمعرفة مستوى السكر في الدم لمدة ثلاثة أشهر،حيث تتوفر هذه التحاليل في أغلب المستشفيات والعيادات الجوارية، فطلب المريض من الممرض منحه موعدا عاجلا لإجراء هذه التحاليل، فحوّله الممرض إلى القطاع الخاص وزعم أن أجهزة التحليل معطلة ولا تعطي تحليلات دقيقة، وقال له الممرض: "يمكنني أن أرسلك إلى صديقي ليجريلك هذه التحاليل ب400 دج فقط بدل إجرائها ب1500 دج في المخابر الخاصة"، فقبل المريض عرض الممرض وأعطاه 400 دج ليكتشف أنه أرسله إلى إحدى العيادات الجوارية بحي العناصر "دار المصابين بالسكري" والتي تجري هذه التحاليل بالمجان، فما كان عليه سوى العودة إلى الممرض وسبّه وشتمه واستعادة أمواله.
بروفسور يطلب من المرضى "جفنة كسكسي" هي أمّ تعرضت للاستغلال من طرف بروفيسور بمستشفى في أعالي العاصمة، والذي اشترط عليها "جفنة كسكسي" كهدية من أجل علاج طفلها الذي كان في حالة حرجة وكانت تتنقل به من مستشفى إلى آخر، وما كان عليها سوى تحضير طبق كسكس كبير باللحم والخضر وتقديمه"للبروفيسور" الذي كان يطلب منها كل مرة إحضار طبق الكسكس بمعدل مرة في الأسبوع، وانتظرت الأم أكثر من ثلاثة أشهر ولم يتم علاج طفلها من طرف البروفيسور الذي كان يؤجل الموعد الطبي في كل مرة، ما دفعها إلى نقله إلى عيادة خاصة، بعد دعاء طويل على "البروفيسور"، وأكدت أنها خسرت أزيد من ثلاثة ملايين سنتيم على تحضير أطباق الكسكس للبروفسور بالإضافة إلى عناء النقل لكن دون جدوى. هذه العيّنات "البسيطة" هي غيض من فيض، ولا شك أن ما خفي أدهى وأعظم، ففي كل يوم نسمع عن حالات بزنسة بالمرضى واستغلال آلامهم بشتى الطرق في مختلف المشافي لجني أموال من ورائهم. هم مجرّد مرتزقة يلبسون الثوب الأبيض، ولكن هذا لا يعني التعميم؛ ففي القطاع كثيرٌ من الشرفاء الذين يعملون بالحلال ولا يقبلون ديناراً حراماً يُعرض عليهم.
دفع الرشوة في حالة الاضطرار أكد الأستاذ سليم محمدي، مفتش بوزارة الشؤون الدينية، وإمام مسجد، في تصريح ل "الشروق" أن الإسلام عموما حرّم الرشوة ووصف صاحبها بالملعون، "غير أن العلماء أجازوا دفع الرشوة في بعض الحالات التي يكون فيها المسلم مضطرا لإنقاذ نفسه وأهله من الهلاك، مثلما يحدث فيالمستشفيات إذ يضطر المريض إلى دفع رشوة من أجل علاج ابنه أو أمه، وهنا يكون الإثم على من طلب الرشوة ولا يؤثم المضطر إلى دفعها"، وأكد أن هذه الآفة انتشرت في المستشفيات الجزائرية بسبب نقص الوازع الديني عند بعض العاملين في القطاع الصحي، بالإضافة إلى نقص الرقابة.