نشرت : المصدر الشروق الجزائرية الأحد 01 نوفمبر 2015 10:04 قبل 8 أشهر على استشهاد الرائد لخضر بوشمع العضو المسؤول في مجلس الولاية الرابعة أبرق برسالة تأبينية إلى روح الشهيد قائد الولاية الرابعة العقيد أمحمد بوڤرة في ذكرى استشهاده في ساحة الوغى ببلدية أولاد بوعشرة بتاريخ 05ماي سنة1959، حيث قراها على رفاقه في الجهاد، وهو آمل بشوق حبيب أن يكون باق على قيد الحياة مرميا في سجون العدو إلى أن يتم تحريره وتخليص البلاد من قيود الإستدمار الفرنسي. من هما الشهيدان بوشمع وبوڤرة؟ حتى نعرف بالشهيد الرائد لخضر بوشمع أحد أبطالالثورة التحريرية بالولاية الرابعة التاريخية، لا يسعنا إلا أننستذكر بما وصفه القائد حسين آيت أحمد في قولهلأخت الشهيد بمقر دار بلدية ڤوراية غرب ولاية تيبازةسنة 1989 "سي لخضر بوشمع، لم أشهد مثل ذكائهوحنكته السياسية والحربية لو أن القدر اختاره ليحيىالاستقلال لتمكن من تغيير العالم ليس فقط الجزائر"، هذا الأخير المعروف في أوساط الثوار سي "لخضر" ولديوم 17أفريل سنة1931 ببلدية سيدي غيلاس المتواجدة غرب ولاية تيبازة في أسرة متواضعة، ترعرع وقضىشبابه بمدينتي شرشال والعاصمة، كان رياضيا ثم تحوّل إلى ممارسة النشاط السياسي السري، وفي سنة1955انخرط لخضر بوشمع في صفوف جبهة التحرير، وفي 13أكتوبر 1956 التحق بصفوف جيش التحريربناحية العاصمة، بعدها أرسل إلى منطقة الونشريس وعمل في الوحدات القتالية، كما تقلد سي لخضر عدةمسؤوليات إلى أن كلف بمهام عضو مسؤول في مجلس الولاية الرابعة سنة 1959 واستشهد سنة1960بالمنطقة الثانية.
علاقة قوية بين الشهيدين قال سي لخضر في رسالته بما يوحي عن علاقته ببوڤرة، حيث وصفه بأخيه الأكبر في أولى خطوط الرسالة"تعارفنا في السنوات المضطربة التي سبقت الثورة، وبفضل خصالك الإنسانية وانشغالاتنا المشتركة التيكانت تؤرق نفوس المضطهدين تمت بسرعة بيننا صداقة قوية"، كما وصف يوم فراقه معه لأسباب نظاميةبالعنيف في قوله "وذات يوم وقع الفراق الذي كان عنيفا وأحدث فراغا كبيرا في حياتي، ولكن حين جاءتاللحظة التاريخية للاختيار لم أشك قط بحتمية ملاقاتك في ميعاد الوطن والتاريخ". تمكنت "الشروق" من الحصول على نسخة من رسالة الشهيد الرائد سي لخضر بوشمع التي أبرقها إلى رفيقهالعقيد سي بوڤرة قائد الولاية الرابعة، وهذا بمساعدة ابن عمه، والتي كانت تحمل كلام مؤثر لا سيما، وأنهكان يقرأها على المجاهدين بالجبل في الذكرى السادسة لاندلاع ثورة نوفمبر، وهو على أمل أن يكون حيا فيقوله "وفي هذه الذكرى العزيزة عليك وعلينا، إن كنت تنام في ملكوت الفردوس أو إن كنت تعاني في غياباتالسجون نقول نحن رفاقك في السلاح، أيها العقيد أمحمد إننا نحبك ونقسم لك بعزة أننا ماضون فيمسيرتك"، هذه الرسالة التي بدأ كتابتها ببساطة ومن الروح إلى الروح في قوله "هذا اليوم أول نوفمبر 1959،إليك أمحمد، شهيد ما بين الشهداء، الآن وبما أنك غادرتنا، الموت لا يعني شيئا، الأمر الرهيب هو البقاء علىقيد الحياة"، ثم وجه رسالته بعبارة "إلى أخي الكبير أمحمد، إنك لن تقرأ هذه الرسالة"، وبعدها شرع فيوصف تلقي رفقائه في الجهاد نبأ استشهاده، وكتب "خبر فقدانك بلغنا وجيزا وصاعقا، أخي أمحمد، مرتخمسة شهور منذ ذلك اليوم، ولكن ذكراك بقيت متجذرة في قلب كل واحد منا".
ذكريات خالدة بين الرجلين توقع الرائد لخضر ما كان يتذكره العقيد بوڤرة في آخر لحظاته وهو يواجه العدو الفرنسي في معركة جبال أولادبوعشرة بولاية المدية، واستطرد في قوله "قمت بمواجهتك الأخيرة في جبال التيطري الخضراء، قرب دوار أولادبوعشرة في صبيحة مضيئة من شهر ماي، محاطا بجماعة من الأوفياء وبحركة سريعة زوّدت بندقيتك بالذخيرة،وبثبات انتظرت العدو المتقدم من كل الجهات، أكيد أنك قد تذكرت ولآخر مرة الثورة والشعب ورفاقالسلاح القدماء: زيغود، خوجة، الأخضر، رابح مقراني أول قائد لمنطقة الأخضرية، والذين كنت على وشكالالتحاق بهم من أجل الوطن الذي ستموت من أجله".
في الرسالة شهادات عن شخص ومواقف بوڤرة من الرائد بوشمع وصف الرائد لخضر العقيد بوقرة بأخيه وروى "أخي أمحمد لن نرى من جديد جسمك الحيوي ولا تسريحةشعرك الشهيرة ولا ابتسامتك الصادقة والواسعة التي كانت تضيء في بعض الأحيان وجهك المثقلبالهموم، لكي لا يخفي ودك الواسع، إننا لن نرى من جديد إبصارك الذي كان يشحن العزائم تارة ويؤاسيتارة أخرى، أخي أمحمد في لحظات العزلة البائسة تجدني ألمح بروز صورتك في ظل الذكريات، وقال في رسالته"وأريد أن أكتشف من جديد تلك الأجواء الدافئة برفقتك، ذلك الحس بالأمان حين نتكتل في تلك الجلساتالحميمية في أمسيات الراحة، كنا نجتمع حول قهوة لذيذة سعداء حين نحس بالكتف إلى الكتف، سعداء حينتتلاحم أصواتنا في أناشيد الأمل، دائما تعود مسائل التنظيم إلى طاولة النقاشات، كنا نطرح تصورنا بحماسشديد، ولكننا نبقى دائما في حدود المنطق"، وعلى أمل لقاء الحبيب، ختم الرائد رسالته بمحتوى حواراستذكره من خلال آخر لقاء جمعه مع العقيد بوڤرة عندما كتب ووصف ذلك اليوم من أجمل أيام حياته،واستطرد في سطوره "انعطفت بي جانبا وكلمتني مطولا بصوت خافت وبنبرات مضطربة وبدون التخلي عنكتمانك وتحفظك المعهودين" . هنا يذكر سي لخضر ما قاله بوڤرة له "المثل الأعلى هو أن تنتصر القضية دون أن تعلم ما هي الجائزة التيستكافأ بها، ولا يخطر ببالك إطلاقا أن هناك مكافأة تنتظرك"، وفي الأخير ختم بوشمع رسالته بيأس الأبطالالمتنكر للحياة من أجل أن يحيى الآخرون في حرية روحهم ثمنها، موجها دعوة الشهادة لنفسه ليرافق شقيقهالشهيد بوڤرة من خلال أسطر لا دلالة لها إلا تسليم نفسه لله وللوطن في تصريحه الصريح،"حين يسطع الفجرالمشع بالانتصار وفي ساعة المآثر وعند نداء الأموات سنستقبل أيها العقيد أمحمد تحيات الأمة".