نشرت : المصدر جريدة الشروق الجزائرية الاثنين 06 مارس 2017 08:00 عالم من أعلام الجزائر، بل عالم من أعلام العرب، طرق أبوابا لم يتجرأ من كان قبله عليها.. أول من قارب بين اللغة العربية والعلوم الحديثة، خاصة الرياضيات. هو أبو اللسانيات، رائد من الرواد في لغة الضاد، صاحب النظرية الخليلية.. إنه الأستاذ الدكتور البروفسور عبد الرحمان حاج صالح، الذي وافته المنية، الأحد، عن عمر يناهز 90 سنة بعد مسيرة علمية حافلة بالإنجازات والمحطات المرصعة بالذهب. وهو صاحب مشروع الذخيرة اللغوية العربية. فقدت الجزائر برحيل عبد الرحمان حاج صالح هرما من أهرامات العلم والمعرفة، ليس من السهل تعويضه ولا إعادة إنتاج مثيل له. هو من مواليد مدينة الباهية وهران عام 1927. درس وتتلمذ في المدارس الحرة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قبل أن ينضم إلى حزب الشعب الجزائري، مناضل في سبيل القضية الوطنية، وهو لم يغادر سنواته 15 سنة بعد. عبد الرحمان حاج صالح، المقترن اسمه بمشروع حضاري كبير يسمى الذخيرة اللغوية العربية، بدأ مشواره من دراسة الطب، حيث قصد مصر لدراسة جراحة الأعصاب، وبالموازاة مع ذلك، كان يحضر دروسا للغة العربية في الأزهر الشريف. وهناك اكتشف نفسه. في الأزهر تعرف على التراث العربي، وهناك حول اهتماماته من حقل الطب إلى الدراسات اللغوية المعاصرة، وشكل اطلاعه على كتاب سيبويه نقطة تحول في تعامله مع اللغة العربية والدراسات المرتبطة بها، مقارنا بين مختلف الأطروحات التي عالجها النحاة العرب، القدماء منهم والمحدثون. انتقل من مصر إلى فرنسا، حيث أتم دراسة الطب بجامعة بوردو ثم إلى المغرب الأقصى حيث التحق بثانوية "مولاي يوسف"، كأستاذ للغة العربية. وهناك واصل دراسة الرياضيات في كلية العلوم، الأمر الذي قربه أكثر من عبقرية الخليل بن أحمد الفراهيدي. بعد حصوله على التبريز في اللغة العربية، درس في المغرب اللسانيات في كلية الآداب بالرباط باللغة العربية في 1960. سنة 1968، كان أستاذا زائرا بجامعة فلوريدا، حيث التقى بالعالم اللساني آنذاك نعوم تشومسكي، فجرت بينهما مناظرة أفحمت مناظره. تولى أيضا، رئاسة اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية لفترة قبل أن يزاح في صمت لمعارضته الاتجاه الذي نحته اللجنة ثم عين بعدها على رأس مجمع اللغة العربية منذ عام 2000. تولى عبد الرحمان حاج صالح عدة مناصب طوال مساره العلمي، منها رئاسة قسم اللغة العربية وقسم اللسانيات عام 1964 بكلية الآداب لجامعة الجزائر، قبل أن ينتخب عميدا لها سنة 1968. وقد تفرغ بعد ذلك للدراسة والبحث، وأسس عام 1980 ماجستير علوم اللسان ثم عين عضوا مراسلا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة ثم انتخب عضوا عاملا به سنة 2003، كما عمل الراحل عضوا في كل من مجمع دمشق ومجمع بغداد ومجمع عمان للغة العربية، كما كان عضوا في عدة مجالس علمية دولية. أنجز الراحل أطروحة الدكتوراه بعد عشر سنوات من البحث والتنقيب في النحو العربي، ومنها اهتدى إلى مشروع الذخيرة اللغوية العربية عن طريق البرمجة الحاسوبية، وكان أول عالم عربي ينحو هذا المنحى. وهذا بالموازاة مع دعوته إلى تبني المنهج البنيوي.
أمين الزاوي: حاج صالح ذخيرة في الجامعة الجزائرية ومؤسس الدرس اللساني قال الروائي أمين الزاوي أنّ فقدان حاج صالح رئيس المجمع الجزائري للغة العربية خسارة كبيرة لحقل البحث في مجال اللسانيات، خاصة واللغويات بصورة عامة. وأضاف في شهادة أدلى بها ل"الشروق" أنّ عبد الرحمان حاج صالح ذخيرة في الجامعة الجزائرية واللسانيات العربية. وأكدّ الزاوي أنّ المرحوم يعد أبرز المؤسسين للدرس اللساني في الجامعة الجزائرية وشخصية معرفية جمعت بين الدرس الكلاسيكي والدرس الحداثي. ولفت المتحدث أنّ عبد الرحمان حاج صالح يعتبر صاحب مشروع "الذخيرة"، لكن للأسف رحل ولم يحقق هدفه ومشروعه، وأشار أنّ المتحدث أنّ هذا الحلم كان قبل 35 سنة أو أكثر، وقبل ظهور جهاز الحاسوب وهو مشروع يحمل الذخيرة العربية. وأكدّ في السياق أنّ المرحوم حاج صالح كان يحلم بتطويره، لكن سبقه الأجل ورحل دون أن يتحقق الحلم. وجدد الزاوي تأكيده على أنّ المرحوم واحد من الذين يحترم اسمهم في العالم العربي، فهو حاصل على "جائزة الفيصل"، امتاز بصفات نبيلة كالصدق والصراحة الحادة خلال التعبير عن رأيه وفكره. وعاد الزاوي في شهادته إلى القول: "رحيل حاج صالح نكبة، حقيقية في مجال البحث في اللسانيات، ومن دون شك سيذكره الباحثون وسيذكرون فضله عليهم، لاسيما من حيث الحرص الذي يوليه لهم والمثابرة التي عرف بها ويحثهم عليها دائما"، وتابع الزاوي: "عزاؤنا أن يكون قد ترك شيئا أخلاقيا نبيلا لهذا الجيل الجديد.. رحمة الله تعالى عليه".
رئيس المجلس الأعلى للغة العربية صالح بلعيد: الجزائر فقدت قامة سامقة في الدرس اللساني الحديث والمرحوم ترك صدقات جارية أكدّ رئيس المجلس الأعلى للغة العربية صالح بلعيد، أنّ بوفاة عبد الرحمان حاج صالح، الجزائر فقدت قامة سامقة في الدرس اللساني الحديث، والرجل ترك صدقات جارية علما ينتفع به وطلابا وأنا أحد أولاده. وقال الأستاذ صالح بلعيد في تصريح ل"الشروق" حول وفاة المرحوم حاج صالح أنّ ما يشهد للرجل أنه يحمل مشاريع مهمة منها أربعة مشاريع أسس لها وهي: 1- مشروع كبير تعلق بدعوته إلى حوسبة اللغة العربية "رقميا" وكان في أواخر الستينيات. 2- أول من استعمل أو أسهم فيما يسمى بالرصيد اللغوي الوظيفي بمعية كل من لخضر غزال من المغرب وأحمد العايد من تونس، وغرض المشروع هو جمع الكلمات المشتركة بين الدول المغاربية وإدراجها ضمن مقررات التربية لتصبح لغة مشتركة بين التلاميذ وتنتشر في المغرب العربي. 3- صاحب فكرة الرصيد اللغوي العربي وكان مقره بالجزائر، حيث أسهمت فيه 16 دولة عربية، والغرض منه هو توسيع الرصيد اللغوي المغاربي والعربي وبغية أيضا توحيد لغة الأمة العربية بعد المعاناة الموجودة على مستوى المصطلحات. 4- مشروعه الكبير "الأنترنات العربية" أو "الذخيرة اللغوية" ومقره بالجزائر وكان حاج صالح رئيس المشروع، وهذا المشروع يراد به حوسبة كل ما قيل في اللغة العربية من عصر النقائش (النقوش) إلى سنة 2018. والمشروع حسب صالح بلعيد يتعلق بكيفية حوسبة ما قيل في اللغة العربية سواء في مجال الشعر أو الرواية أو الفنون أو الطب أو الهندسة وغيرها. ويحوي الكلمة وكاتبها وكيف تطورت وغيرها من التفاصيل المتعلقة بهذا الجانب. وتأسف المتحدث أنّ هذا المشروع الذي تم وضع لبناته الأولى ضمن برمجيات عالمية لم يتقدم كثيرا بسبب مسألة عدم الوصول إلى كتابة تاريخ اللغة العربية وهو "المعجم التاريخي". وأكدّ رئيس المجلس الأعلى للغة العربية صالح بلعيد في شهادته أنّ المرحوم عبد الرحمان حاج صالح إنسان جمع بين الأصالة والحداثة، كان يوصيهم "تلاميذه" بأنه م"ن أٍراد أن يتحكم في الحداثة عليه أن يضع رجلا في الأصالة ومن لم يضع رجله في الأصالة فهو أعرج".
هذا ما أوصى به حاج صالح في اجتماع جانفي المنصرم حان الوقت لإعادة وظيفة اتحاد المجامع اللغوية واحذروا التشتت ظهرت فكرة مشروع "الذخيرة العربية" إلى الوجود بفضل الدكتور عبد الرحمن حاج صالح الذي طرحه سنة 2004 عندما كان رئيسا لمجمع اللغة العربية بهدف تسهيل عملية البحث على الانترنت في أي موضوع. عرضت الجزائر المشروع على الجامعة العربية، لكنها بدورها لم تقرّه إلا في سبتمبر 2010 ليصبح مؤسسة قائمة بذاتها، وبالتالي حل مشكلة التمويل جزئياً. وتميز "ابو اللسانيات" بتحليله للنظرية الخليلية النحوية وعلاقتها بالدراسات اللسانية المعاصرة فهو صاحب "النظرية الخليلية الحديثة".له عديد البحوث في الدراسات اللسانية وجهود بارزة في حركة التعريب .كماعين رئيسا للجنة الوطنية الجزائرية لإصلاح المنظومة التربوية وخبيرا في منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم. وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد أبرمت اتفاقا مع مجمع اللغة العربية لإصدار ذخيرة للغة العربية في حضور صاحب المشروع على هامش اجتماع اتحاد المجامع اللغوية بالجزائر جانفي المنصرم . وكان الدكتور عبد الرحمن حاج صالح،قد أكد يومها في كلمة افتتاحية باسم المجمع الجزائري للغة العربية، أن هذا الاجتماع السنوي للاتحاد هو الأول الذي يعقد خارج الديار المصرية،وطالب بضرورة تبنّي عمل علمي جمعي دقيق ومنهجي للنهوض بمشاريع لغة الضاد، وقال إنه حان الوقت للنظر من جديد في وظيفة الاتحاد التي من مهامها الأولى توحيد المصطلحات، محذّرا من الفرقة والتشتت وعدم التنسيق بين المجامع لأن ذلك سيولد البلبلة كما حذّر من المصطلحات التي يصوغها الأفراد خارج المجامع فالغاية تبقى-حسبه البحث عن الشيوع (للمصطلحات) بوسائل علمية.
خولة طالب الإبراهيمي: أبي الروحي عالم جليل عاش خادما للغة العربية لم تتمكن الدكتورة خولة طالب الإبراهيمي امتلاك نفسها وهي تتحدث عن رحيل أستاذها عبد الرحمان حاج صالح حيث قالت الإبراهيمي أن رحيل حاج صالح خسارة فادحة للجزائر و الجامعة والبحث العلمي عموما فهو المربي والباحث والمتخصص صاحب النظرية الذي لم يدخر جهدا في سبيل تحقيق مشروعه الذي امن به إلى أخر لحظة، وتضيف الإبراهيمي في اتصال مع الشروق أن عبد الرحمان حاج صالح هو أستاذها الذي درست على يديه في الجامعة وأبوها الروحي الذي استمدت منه حب البحث العلمي والإخلاص له ومعلمها في مجال اللسانيات "هو عالم جليل كرس حياته في خدمة اللغة العربية" متخذا المنهج العلمي سبيلا له وقد نجح عبد الرحمان حاج صالح تقول خولة طالب الإبراهيمي في أن يزرع روحه المتوثبة للبحث في أجيال من الطلب والباحثين يعول عليهم مواصلة مشواره وتجسيد مشروعه.
إنعام بيوض: حاج صالح أول من امن بمشروع معهد الترجمة وصفت إنعام بيوض مديرة المعهد العالي العربي للترجمة رحيل عبد الرحمان حاج صالح بالخبر المحزن وأضافت المتحدثة في اتصال مع الشروق أن الراحل كان من بين القلائل المؤمنين بجدية مشروع المعهد وكانت أول اتفاقية وقعها المعهد مع مجمع اللغة العربية الذي رأسه حاج صالح. قال بيوض إن احتكاكها بعبد الرحمان حاج صالح مكنها من تلمس إصراره على التفاؤل في تجسيد مشروع الذخيرة العربية في بيئة كل ما فيها يدعو إلى الإحباط وتثبيط العزائم. امن بمشروع لم يكن لشخص ولا لمؤسسة ولا حتى لبلد أن ينجزه بمفردة لهذا سعى إلى إدخاله تحت لواء الجامعة العربية لأن عبد الرحمان حاج صالح تقول إنعام بيوض كان يفكر بعقل امة كاملة، لكن للأسف لم يجد من يستوعب ولا من يفهم أبعاد هذا المشروع فواجه عراقيل إدارية سعى دائما لتجاوزها بعزيمة الباحث وصرامة الأستاذ وإصرار العلماء فهو صاحب النظرية الخليلية الثانية و أبو اللسانيات في الجزائر وختمت بيوض حديثها عن حاج صالح قائلة "نتمنى من طلبته أن يواصلوا منشوراه لتجسيد المشروع الذي يتطلب تضافر جهود الجميع حتى نرد على الأقل جزءا ولو بسيط من جميل الرجل على أجيال من الباحثين اثري بهم الجامعة الجزائرية.
حبيبة العلوي: كان أستاذا صارما وناقدا للنظريات الغربية قالت الدكتورة حبية العلوي التي عرفت حاج صالح كطالبة في الجامعة ثم عملت معه كمسؤولة عن القسم العربي في مجلة اللسانيات التي أسسها هو أن الرحل عرف بالصرامة الأكاديمية والوقار العالمي كان يعرف جيدا كيف يوصل المعلومات لطلبته "لم استمتع في حياتي بدرس مثلما استمتعت بدرس لحاج صالح" وتضيف العلوي في حديث مع الشروق قائلة أن "عبد الرحمان حاج صالح هو من علمني التعامل مع اللغة العربية بمنظور علمي وبدون عقدة مستعملا منج اللسانيات الحديثة مثلما هوي في الغرب ولكن في المقابل لم يكن متلقيا سلبيا لهذه النظريات والمناهج بل ناقدا ومناقشا لها دائما. كان صاحب مشروع علمي حقيقي لم يجد الأرضية في الجزائر. حبيبة العلوي التي درست على يد عبد الرحمان صالح لسنتين عملت معه أيضا لنفس المدة تقول عرفته أيضا مديرا بنفس صرامة وجدية الأستاذ والمعلم يفرض عليك الاحترام والرهبة الناتجة ليس عن الخوف لكن عن الوقار العلمي، وهو الذي كان يحلم بجمع مختلف التخصصات حول مشروع الذخيرة اللغوية من خلال المركز الذي أسسه في السبعينات" مركز البحث العلمي والتطوير التقني للغة العربية" هو صاحب مشروع لم يكتمل تقول الدكتورة حبيبة العلوي التي تؤكد أن عبد الرحمان حاج صالح يساند الطلبة المجتهدين ولم يكن يجد مانعا مثلا في منح علامة18 لمن يستحقها".