مرّة ثانية ها هو منتخبنا الوطني يشدّ الرحال من مقر إقامته في أسفل القارة السمراء بمقاطعة “كوازولو ناتال” إلى مدينة أخرى بغية لعب المباراة الثانية له في “المونديال”، وهي المباراة التي ستلعب سهرة اليوم أمام المنتخب الإنجليزي، فبعد رحلتهم الأولى إلى “بولوكوان” من أجل مواجهة سلوفينيا، ها هي رحلتهم الثانية الإجبارية وفقا لنظام “الفيفا” الجديد تقودهم إلى مدينة “كاب تاون” التي ستكون مسرحا لهذه المباراة الهامة والحاسمة، وقبل أن نتطرّق إلى تفاصيل هذه الرّحلة التي كانت مريحة للغاية، بودّنا أن نؤكد أن لاعبينا غادروا “سان لامير” وهم مسلّحون بالعزيمة والإرادة بعد أن شاهدوا الفيلم الشهير “معركة الجزائر”. الانطلاقة من مطار “مارغيت” في حدود الحادية عشرة والربع ورغم الملل الذي أصابهم جرّاء الرحلات والتنقلات الكثيرة، إلا أنّ أعضاء الوفد الجزائري كانوا في الموعد صبيحة أمس بمطار “مارغيت” الذي لا يبعد عن مكان إقامتهم سوى ببضع كيلومترات، حيث وصلوا مبكرا إلى هناك، قبل أن تقلهم الطائرة نحو “كاب تاون” في حدود الساعة الحادية عشرة والربع، وللتذكير فإن الطائرة التي أقلت الوفد هي طائرة صغيرة خصصتها لهم “الفيفا” كسائر المنتخبات الأخرى خلال تنقلاتهم الداخلية. مضيفات الطائرة التقطن صورًا مع اللاعبين ورغم أنّ أسهم لاعبينا قد تراجعت في أرض الوطن منذ الخسارة الأخيرة أمام سلوفينيا، لا لسبب سوى لأن هذه الخسارة كانت ضدّ منتخب مغمور لم يصدق أنه هزمنا، إلاّ أنّ هذه الأسهم بقيت مرتفعة في السماء لأن مضيفات الطائرة التي نقلت الوفد بقين تتهافتن على اللاعبين بكثرة من أجل التقاط صور للذكرى معهم، وهي الرغبة التي لبّاها لاعبونا جميعا على غرار ما كانوا يفعلونه مع كل المعجبين في كل مرة. “منتخبنا أقصي تقريبًا وأملنا فيكم يا جزائريين ” وخلال الرحلة التي دامت ساعتين وربع أبت تلك المضيفات إلاّ أن تتبادلن أطراف الحديث مع لاعبينا حول ما ينتظرهم من تحديات في هذه المنافسة العالمية، وقالت لهم “منتخبنا الذي كنا نعلق عليه آمالا كبيرة في الذهاب إلى أبعد دور ممكن اقترب من الإقصاء نهائيا في الدور الأول، ولذلك نحن نعلق عليكم آمالا كبيرا للذهاب بعيدا، وإلى أبعد دور ممكن، وأملنا فيكم أن تحققوا المفاجأة مع المنتخب الإنجليزي هذه الجمعة، لأنكم بلد إفريقي مثلنا ولا بدّ أن نتعاطف معكم”. الأجواء كانت مرحة، سعدان التزم المقدمة وبدا واثقًا ويبدو أن اقتراب موعد الحقيقة جعل اللاعبين ينسون كلّ مشاكلهم وخلافاتهم، بدليل الأجواء المرحة التي عرفتها الرحلة، وهي الأجواء التي أعطتنا الانطباع بأنّ البعض تجاوز خلافاته ونسي كلية مخلفات الهزيمة القاسية التي تكبّدها المنتخب على يد سلوفينيا، ونفس الشيء بالنسبة لناخبنا الوطني رابح سعدان الذي لم يبد عليه أنه مستاء من التصرفات الطائشة من بعض اللاعبين الذين صاروا لا يحدّثونه بتاتا، بل لا يلقون عليه حتى التحية أو السلام، حيث التزم المقدمة وبدا جدّ واثق من أن منتخبه لن يسافر إلى “كاب تاون” من أجل التمتع بجمال وسحر هذه المدينة، بل أنّه سيتنقل من أجل تحقيق نتيجة إيجابية. زفزاف في الانتظار كالعادة وبعد ساعتين وربع من الطّيران كان الموعد في حدود الساعة الواحدة والنصف بالتوقيت المحلي هنا في جنوب إفريقيا، وهبوط الطائرة بمطار “كاب تاون”، وذلك بعد رحلة خفيفة ومريحة لم يشعر خلالها اللاعبون بالتعب، بقدر ما شعروا بذلك التعب جراء تغيير البلد في كل مرة فقط، وكان عضو “الفاف” جهيد زفزاف كالعادة في انتظار جميع أعضاء البعثة في مدرج المطار بعد أن رتب كافة الأمور الإدارية هناك. وجدوا الحافلة في انتظارهم على مدرج المطار وكنا نعتقد حينها أنّ لاعبينا سيعبرون عبر بهو المطار، على أن يتحوّلوا بعدها إلى الفندق أين يقيمون، غير أنّ ذلك لم يحدث، لأن حافلة خاصة كانت في انتظارهم بالمدرج، وهي الحافلة التي تنقلوا على إثرها مباشرة إلى فندق “ساوثرن سان” “southern sun“ ذي الخمس نجوم، وهو الفندق الذي سيقيمون فيه إلى غاية صبيحة يوم الأحد، وهو موعد عودتهم إلى المعقل الرئيسي هناك في “سان لامير”. حراسة أمنية مشدّدة على البعثة من المطار إلى الفندق هذا وبما أنّ مباراة الجزائر أمام المنتخب الإنجليزي أطلق عليها تسمية “مباراة كل المخاطر” فكان من المنطقي أن يحظى منتخبنا الوطني بكل تلك الحراسة المشددة من طرف رجال الأمن، وهي الحراسة التي أحيطت بالبعثة الجزائرية منذ مغادرتها مدرج مطار “كاب تاون“ إلى مقر الإقامة، في موكب رسمي طويل مكوّن من عدد كبير من السيارات التابعة للأمن الجنوب إفريقي وكأن الأمر يتعلّق ببعثة رئاسية أتت إلى هذه المدينة، في صورة تعكس حقا مخاوف السلطات في هذا البلد من هذه المباراة، ومن التجاوزات التي قد تعرفها من الجانبين أو ربما من طرف ثالث، هذا وتجدر الإشارة إلى أن مقر إقامة الخضر هو الآخر يعرف حراسة أمنية مشددة، إذ يمنع على كل الغرباء الاقتراب منه. بعثة “الهدّاف“ تُمنع من مرافقة الموكب وتُجبر على تغيير الطريق “الهدّاف“ التي كانت حاضرة في قلب الحدث، حاولت أن ترافق الوفد الجزائري من المطار إلى مقر الإقامة، ونجحت في مسعاها خلال بعض الكيلومترات، قبل أن تقطع الطريق أمامنا من طرف رجال الشرطة الذين ظنوا في بادئ الأمر أننا نتجسّس على المنتخب الوطني ونراقبه، حيث تم توقيفنا للتحقيق معنا حول الأسباب التي جعلتنا نسير ببطء وراء البعثة منذ مغادرتها المطار، وعندما شرحنا لهم بأننا صحفيين رافقنا منتخبنا في مهمته هذه، تفهموا الأمر لكنهم منعونا من مواصلة متابعة القافلة لأسباب أمنية محضة، وحينها أجبرنا على تغيير وجهتنا. فرقة موسيقية في الانتظار أمام الفندق هذا وخصّ المنتخب لدى وصوله إلى فندق “ساوثرن سان“ باستقبال حار، حيث كان الاستقبال على أنغام فرقة موسيقية محلية هنا، قبل أن يلتحق اللاعبون بعدها بغرفهم من أجل الخلود للراحة بعد هذه الرحلة التي لم تكن شاقة كشقاء تغيير البلد، وحزم الحقائب للرحيل والعودة بعدها في كل مرة . روراوة وصل بعد البعثة بنصف ساعة وكان الرجل الأول على رأس الكرة الجزائرية محمد روراوة قد التحق بالبعثة الجزائرية نصف ساعة بعد وصولها إلى “كاب تاون”، حيث أتى من جوهانسبورغ مباشرة إلى هذه المدينة، وذلك من أجل حضور هذه المباراة الهامة، ويكون روراوة قد أبى أن يأتي يوما قبل موعدها حتى يجتمع باللاعبين ويحفّزهم على ضرورة تجاوز عقبة المنتخب الإنجليزي، وحتى يحثهم أيضا على تفادي مهزلة أخرى قد تعصف بالجميع وليس فقط ببعض الرؤوس.