الحلقة الثانية: نحارب فسادهم ونبرّر لفسادنا بقلم: لخضر رابحي منهج الإسلام لا يبرّر للفساد بحجة المشيخة أو النّسب الشّريف أو القرب من مقام النّبوّة " والذي نفس محمّد بيده لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعتُ يدها "، كما أنّ المنهج يمنع اتّهام الآخر بالفساد لمجرد الخلاف الفكري أوالعقدي " ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى "، فاليهودي لا يُتّهم إلاّ ببيّنة ولا يعامل بالمثل في مثل هذه القضايا كون ثقافته تسمح له باتّهام الآخرين " ليس علينا في الأمّيين سبيل " بل المنهج " لا تخن من خانك "، ونفس التعامل مع المسيحي والوثني فمع فساد دينه وبطلان عقيدته غير مسموح باتّهامه بغير حقّ " شهداء للّه ولو على أنفسكم "، وتعوّد الصحابة على هذه التّربية وتشرّبوا هذه القيم حتى أنّهم استنكروا أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهم في الحرب ضد بني النّضير بحرق النّخيل مع أنّهم في حرب وعدوّهم محصّن، وتلك من مقتضيات القتال مع العدوّ ومع أنّ النّخيل المأمور بحرقها " اللّينة " صغار النّخل وكانت فقط خطّة لإخافة العدوّ وحمله على الاستسلام مع ذلك كلّه استنكروا الأمر وقد نزل بعد ذلك قرآن يُتلى يُطمئنهم على هذا الصنيع، وأنّه ممّا تسمح به قيم الشّريعة " ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة فبإذن اللّه وليخزي الفاسقين "، وظلّ هذا هو حال الصحابة يسألون ويتساءلون عن كلّ أمر رأوا فيه غرابة أو مخالفة لقيمهم حتى وإن صدر من الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم حتى تطمئنّ قلوبهم أنّهم على توافق مع ما تلقّوه من التربية عن النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم. والحركة الإسلامية المنطلقة من منظومة قيم وأخلاق وأحكام الإسلام تدعو إلى الخير وتنهى عن الفساد والمنكر، وقد رفعت تهمة الفساد ضد أنظمة الحكم وهي مُحقّة، فالأدلّة والقرائن والشواهد أكثر من أن تُحصر، فحكّام بلاد العرب والمسلمين أكثروا فيها الفساد فنهبوا الأموال وعبثوا بالثروة في تسيير غير شفّاف جعلوا مناصبهم مطيّة لهم ولأولادهم يستفيدون من ريوع الدولة في كل شيء. ولقد أرسل اللّه بعض أنبيائه لمحاربة الفساد، فهذا النّبيّ شعيب عليه السّلام أرسله اللّه يحارب فساد الميزان وسرقة أقوات النّاس " ولا تبخسوا النّاس أشياءهم "، ومن أوائل ما نزل بمكة " ويل للمطففين " سراق الميزان الذين يسرقون أموال النّاس بالحيل والخداع والتلاعب. وكان عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، قبل أن يأمر رعيّته بأمر يدخل على أهله ويحذّرهم تحذيرا شديد اللهجة بل ويعدهم بمضاعفة العقوبة إن تهاونوا في تطبيق أمره، لأنّه يدرك أنّ أهله إن تجرّؤوا عليه سقطت هيبة ما يأمر به. ونجاح الحركات الإسلامية الأولى خصوصا في أزمان التّأسيس ربّما يعود السبب إلى مصداقية قادتها وطهارة ساحتهم، فقد كانوا أهل بذل وتضحية لم يستأثروا بشيء لأنفسهم وأولادهم. والحركة الإسلامية اليوم ترفع لافتة اتّهام النّظام بالفساد وتدعو إلى محاربة الفساد وبقوّة، فالنّاس تنظر في مصداقية هذه الدّعوى من خلال ترقّب أحوال قادتها وأولادهم، فإن رأوا خيرا شهدوا به وإن رأوا شرّا استنكروا دعواهم وسقطت مصداقيتهم. وممّا يُلاحظ على بعض الحركات الإسلامية ميلها لتبرير الفساد الدّاخلي والسكوت عنه بحجة حتى لا يستفيد منه العدوّ وحتى لا يقع التثبيط والأغرب فيها أنّ بعض المتّهمين بالفساد رسميا يصلون إلى مناصب حساسة ومتقدّمة في التّنظيم لأنّ المعيار الأساسي في عموم الحركات الموغلة في التنظيم وخصوصا في فترات الصراع الولاء للأشخاص أوالجهة. ويغيب في الحركة الإسلامية مبدأ "من أين لك هذا " الذي طالما تفاخرت به في خطبها ضد النّظام، فالشيخ أو الرئيس إذا كسب "فيلا" قيمتها 50 مليار وربما لا يعمل حتى ولا وظيفة له لا أحد يسأل لأنّه شيخ ولا يجوز مجرّد الشكّ فيه ثم تراهم وشيخهم يصدّعون رؤوس النّاس وهم ينتقدون بعض رؤوس النّظام بمبدأ " من أين لك هذا ؟". كما تغيب الشفافية في الحسابات والشيخ يتعامل مع المال عصريا بعقلية بيت المال القديم يأخذ منه ما يشاء من غير محاسبة ولا مراقبة، وبعض المشكلات التي حدثت في بعض التنظيمات وأدّت إلى الانقسام وعزل الشيخ هذا الموضوع هو أحد الأسباب الرئيسية. والغريب جدّا في الحركات الإسلامية أنّك لا تسمعهم يتحدّثون عن الشّخص بالفساد إلا بعد مغادرته للتّنظيم، ممّا يؤكّد أولوية عقلية الولاء للتّنظيم على الولاء للحقّ الخالص، كما أمر الله سبحانه وتعالى. وقد رأيناهم لا يستأمنون الشّخص على دراهم معدودة ويستأمنونه على دعوة عظيمة تنوء بحملها الجبال الرّواسي، والأصل أنّ من يقود معركة فاصلة ضد الفساد وخصوصا إذا استهدف نظام الحكم الذي يملك التقارير والمعلومات أن لا يخطو خطوة في الاستنكار والتّنديد إلاّ إذا راقب صفّه من جديد وتأكّد على الأقلّ من خلوّ الصفّ الأوّل من تهم الفساد ولو كانت قليلة عند ذلك يبارك الله ويلتفّ النّاس حول الحركة، أما إذا استمرّت هذه الازدواجية وكلّ مرّة ينفضح منها جزء " ولا تزال تطّلع على خائنة منهم "، فلا مستقبل للحركة بهذه الخطاب المنزوع البركة الفاقد للمصداقية. يتبع…