حاورته: سامية حميش مالك رداد، إعلامي متميز، وقلم يشهد له بالكفاءة، قطع شوطا كبيرا في مهنة المتاعب تناهز العشرين سنة، ليستقر به الحال بعد ترحاله بين خمسة عناوين وطنية كرئيس تحرير ليومية "الفجر"، وفي هذا اللقاء الذي جمعه ب"الحوار" يستذكر مالك، أهم المحطات بحياته المهنية الحافلة، والتي منها ما لا يمكن نسيانه كما قال.
* قطعت شوطا معتبرا في مهنة المتاعب تناهز العشرين سنة، لو رجعت قليلا إلى الوراء، ماهي أهم المحطات التي ميزت مسيرتك الإعلامية؟
بالطبع قطعت شوطا كبيرا في مهنة المتاعب كما يفضل الزملاء تسميتها وعايشت الكثير من الأحداث الوطنية والإقليمية والدولية ، لكن المحطة الصعبة التي ميزت مسيرتي الإعلامية تلك التي مررت بها في نهاية التسعينيات، حينها بلغ الإرهاب ذروته وعدّد من أساليب إجرامه، وكنت من بين الصحفيين الذين كانوا يتنقلون إلى مختلف الأماكن التي كان ينفذ فيها الإرهاب مجازره واعتداءاته الإجرامية. لقد تنقلت إلى "الرايس" و"بن طلحة" و"جيبولو" و"ولاد السلامة" و"بوقرة" والبليدة ومختلف المناطق الساخنة آنذاك ، كنت أتنقل دوما إلى مثلث الموت، كانت تجربة صعبة لا يمكن نسيانها وميزت مشواري الإعلامي، وبالتالي عندما أرى اليوم من حولي الظروف التي يعمل فيها الصحفيون، لا أدري إن أمكن القول أنني أحن لتلك الفترة المثيرة من مشواري في الصحافة رغم صعوبتها ومحنتها إلا أنها كانت فترة مميزة من حياتي المهنية، ومن حياة كل الجزائريين الذين كانوا حينها يستيقظون على الدم و الدمار.
* تنقلت بين عدة عناوين كالأصيل والخبر لينتهي بك المطاف على رأس تحرير جريدة "الفجر"، ما الذي تغير في الإعلام من سنوات التسعينات إلى اليوم برأيك؟
لقد عملت في العديد من اليوميات الوطنية تجاوز عددها الخمس يوميات، وأظن أن الفرق بين الأمس واليوم يكمن في الإمكانيات، بحيث حاليا يوجد العديد من وسائل التواصل ويمكن للصحفي الحصول على المعلومة بطرق عديدة متنوعة ومختلفة عكس السنوات الماضية، حيث كنا نتعب كثيرا للحصول على المعلومة أوالصورة، وكل ذلك يتطلب التنقل إلى عين المكان. لقد قطعت الصحافة منذ ذلك الوقت أشواطا معتبرة لا سيما في مجال الإمكانيات، حيث حققت وثبة نوعية في هذا المجال، حيث أصبحت تحاول مواكبة كل المستجدات في عالم الإعلام والاتصال، لكن يبقى النقص واضحا في مجال التكوين، حيث ينقص الاهتمام بتكوين الصحفيين وتنظيم دورات للجميع بغية اكتساب مهارات جديدة. _هل تعرض مالك خلال مسيرته الإعلامية إلى ضغوطات الرقابة، وماذا عن هامش الحرية في الصحافة اليوم؟ في الحقيقة لم تكن هناك رقابة كون الأمر يتعلق بكتابة مقالات صحفية ونقل الخبر والمعلومة، الرقابة قد تقتصر على أصحاب الأعمدة و التعاليق، أنا من جهتي لم أتعرض لمثل هذه المضايقات في كل وسائل الإعلام التي عملت بها، لكن تعرضت نهاية التسعينات عندما كنت صحفيا بيومية " الأصيل" إلى مضايقات من قبل أحد الأشخاص المعروف آنذاك بنفوذه في مختلف المستويات، إنتهت بمتابعات قضائية على خلفية تحقيق قمت به عن هذا الشخص الذي استحوذ على مادة استهلاكية في السوق الوطني وتسبب في ندرتها بغية المضاربة في السوق السوداء دون أن يدفع تكاليفها عند شرائها ووعد بتسديد فاتورته لاحقا، كما تسبب ما قام به هذا الشخص في عدم تلقي عمال ذلك المصنع لأجورهم، لقد قمت بتحقيق معمق حول تلك الحادثة وما كان يقوم به ذلك الشخص مدعما بكل الوثائق والأدلة التي تورطه، انتهت بالوقوف أمام العدالة. أما عن حرية الصحافة فهو طموح صعب المنال لأنه يحتاج كأول إجراء الاستقلالية المادية للمؤسسة الإعلامية، وهذا ما يمكنها من ممارسة الحرية والتطرق إلى المواضيع التي تراها ضرورية، كما يتعين عليها أن لا تتجاوز حدودها حتى لا تدوس على الغير وتظلم الآخرين وتستعمل الحرية الإعلامية كقميص عثمان، فتقوم بتضليل الرأي العام.
* رغم الكم الهائل للجرائد الصادرة اليوم، يرى الكثيرون أن الصحافة المكتوبة حققت الكم دون النوع.. ما رأيك؟
أظن أنا هذا مرتبط بالجانب المادي، كون الجرائد التي تصدر هي في الحقيقة بحاجة إلى إمكانيات مادية لتحقيق التميز، و ربما غياب هذا الجانب جعلها تستقر في مكانها لا تحقق الوثبة التي جاءت من أجلها أو الطموح الذي كان يسري في عروق أصحاب هذه العناوين، لكن ورغم هذا أظن أنه من واجب السلطات العمومية مساعدة هذه الجرائد حفاظا على التعددية الإعلامية والمكاسب الديمقراطية والتي تسمح من جهة أخرى بالحفاظ على مناصب العمل وإعطاء فرص للكفاءات الشابة لدخول عالم الشغل وممارسة نشاطهم المهني. _هل يعود جزء من الرداءة الإعلامية التي نراها اليوم إلى غياب الحقوق المهنية والاجتماعية للصحفيين؟ أظن أنه كما سبق وأن قلته كل مرتبط بالجانب المادي، فالجريدة التي تملك إمكانيات مادية فمردود صحفييها وعمالها سيكون دوما في تطور كون أصحاب العنوان في أريحية مالية وبإمكانهم الاستجابة وتحقيق مطالب الصحفيين والعمال على حد سواء، وهي تعمل دوما على التطور والاستثمار في التوزيع والنشر وغيرها من المجالات التي لها علاقة بها، وهذا عكس ما نجده في الجرائد الصغيرة أوالجديدة التي لم تتمكن من البروز بسبب غياب الإمكانيات المادية أوغياب نظرة استشرافية تسمح للقائمين عليها بالوصول إلى المبتغى أو الهدف المسطر لأجل ذلك. كما أشير إلى الدور الذي كان يجب على الصحفيين لعبه وهو التكتل من أجل الدفاع عن الحقوق، حيث أن المكاسب لا تأتي وحدها وتقابلها تضحيات في العمل وفي النضال من أجل الوصول إلى تحقيق المطالب المشروعة لهؤلاء، حيث أشبه في كل مرة الصحفي بالشمعة التي تذوب من أجل أن تنير و ضيء كل من حولها.
* تصنف الجزائر في المرتبة فوق المائة في حرية التعبير في ترتيب مراسلون بلا حدود، هل ترى أن هذه المرتبة تعكس الواقع أم فيها تجني؟
أظن أن هذا التصنيف فيه تجني، فهناك حاليا تفتح إعلامي ملحوظ في الجزائر مقارنة بالسنوات الماضية لا سيما مع بروز قنوات تلفزيونية جديدة وبالتالي فهناك هامش معتبر من الحرية ومعالجة مختلف المواضيع سواء كانت سياسية أواقتصادية أو رياضية أو ثقافية أو اجتماعية، وهذا لا يمكن نكرانه. ربما قد يكون هناك اختلاف في الرؤى و في وجهات النظر لكن لا يمكن أن نختلف عن الوطن أو الدين. أنا على يقين بأنه في كل دول العالم هناك تحيز إعلامي، حيث كل التجارب الإعلامية سواء في أمريكا أو أوروبا أو في الشرق الأوسط، تؤكد أن وسائل الإعلام تخدم مصالح أصحابها أو جماعاتها وأصبحت تبحث عن الإشهار والمداخيل أكثر من البحث عن الحقيقة أوالتحري في قضايا الساعة، وبالتالي فإن الإعلام في الجزائر يحاول بإيجابياته وسلبياته أن يشق طريقه نحو المزيد من الاحترافية، وأتمنى أن تتضاعف الإيجابيات خدمة للمصلحة العامة، كما أتمنى أن يتم التكفل والاهتمام بمشاكل الصحفيين وتحقيق جزء من مطالبهم المهنية والاجتماعية التي يعانون منها في صمت.