يعود يوم 27 نوفمبر من كل عام ليذكرنا بتاريخ مبايعة الأمير عبد القادر الجزائري الحسني (1808 / 1883) قائد المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، تعود هذه الذكرى والدولة الجزائرية مازالت عاجزة على إنجاز فيلم كبير يمجد هذه الشخصية التاريخية. قد لايحتاج الأمير عبد القادر لمثل هذا الفيلم أصلا، فسمعته أطبقت الآفاق، وذكره على كل لسان في مشارق الأرض ومغاربها، وهو الذي كان له فضل كبير على أمم أخرى وتابعي ملل ونحل أخرى، حيث أفردت له كتب عالمية، أعطته حقه وثمّنت مجهوداته في محاربة الاستدمار الفرنسي في بلاده وفي غيرها، وأبرزت مواقفه على كل شبر وطأته قدماه في الجزائر أو في أوروبا أو في المشرق العربي. لما كان المخرج بن عمر بختي -رحمه الله- قد انتهى من فيلم " بوعمامة " في ثمانينيات القرن الفائت، توجهت له الأنظار مرة أخرى لإنجاز فيلم بموصفات عالمية حول شخصية الأمير عبد القادر. انطلق بختي بالفعل في إعداد الترتيبات الأولى للفيلم وتحدثت يومها عنه الصحافة بإسهاب. طال أمد التحضير ودخلت الجزائر في سنوات التسعينيات العجاف، وكنت قد التقيت مخرجنا الكبير في وهران بمناسبة أول نوفمبر 1994 على ما أذكر، وسألته عن الفيلم فقال لي (لقد تأخرنا كثيرا والظروف المالية والأحداث الحالية لاتسمح بإنجاز أي فيلم). تتالت السنوات وتناسلت وما زال مشروع فيلم الأمير عبد القادر يراوح مكانه، لتفشل معها مخططات أخرى وتسقط في الماء أحلام أخرى أيضا. في سنة 2005 تلقى الروائي واسيني الأعرج رسالة من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، تقول كما كشف عنها واسيني"بعد إطلاعنا على روايتك الأمير، فإننا أمام هذا الإبداع وهذه الدقة في وصف شخصيات الأمير المتعددة لا يمكن إلا أن نُثمّن عملك بتحويل كتاب الأمير إلى فيلم سينمائي ضخم يُبهر العالم". بدأت بعدها الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي في العمل على إنجاز الفيلم، وبعد سنوات يوقف وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي العمل، ويصرح بأن "العمل تم توقيفه ويتم حاليا اختيار جهة منتجة للفيلم السينمائي الذي يكون في مستوى الأمير"، متهما الوكالة بالفشل في إنجاز هذا العمل، وهي التي استهلكت بحسب قوله " ثلاثة أرباع الميزانية العامة من الفيلم دون تصوير لقطة واحدة". في الأثناء، دار نقاش طويل عن مشكلة السيناريو وعن جنسية المخرج، الذي يفضله أحمد راشدي أن يكون جزائريا ويفضل آخرون أن يسند لمخرج عالمي مشهور حتى يأخذ مكانه في سوق السينما العالمية .. يطول النقاش ويطول الحديث (البيزنطي) وتعود الأزمة المالية لتكشر أنيابها من جديد على ميزاينة الجزائر، ويبقى مشروع الفيلم بعد عقود من الفكرة، وبعد عشر سنوات من رسالة الرئيس بوتفليقة، حبيس النقاشات العقيمة، فمن يعرقل فيلم الأمير عبد القادر؟.