عبر 264 كلمة، في رسالة باللغة الفرنسية، تحدث الفريق المحال على التقاعد محمد مدين، كلامه العلني لأول مرة جاء دفاعا عن زميله وصديقه الجنرال حسان المُحَاكَم مؤخرا في وهران، والمدان بخمس سنوات سجنا.. حكم قاس في نظر مدين أخرجه من صمته، الذي بدى للجزائريين وكأنه أبدي. وَصَفَ مدين الحكم على صديقه " بالظلم "، فزاد هذا التوصيف طلاسم أخرى عندنا نحن معشر المواطنين، فمحاكمة الجنرال حسان تمت في جلسات مُحْكَمَة الغلق ومن وراء جُدُرْ، وما تلوكه الصحافة من أحاديث حولها، لا يعدو أن يكون سَقْط أخبار لا يُغني ولا يُسمن من جوع. سَبَقَ مدين في توصيف محاكمة وهران خالد نزار وعلي بن فليس، ولويزة حنون أيضا، وبقي الملف غامضا غموض حسان وتوفيق وغموض صراع العصب والسياسة في الجزائر. الإجابة عن سؤال لماذا يتكلم قائد المخابرات السابق للمرة الأولى، قد يدرجه البعض في أن الرجل قد تخلص من واجب التحفظ، وقد أصبح بعد إحالته على التقاعد جزءا من الماضي، كما قد يبدو للبعض أن مدين قد أصبح بدفاعه عن زميله في قضية لا يعرفها الرأي العام الجزائري مدافعا عن نفسه، وهو يرى أن الدائرة قد اقتربت منه أكثر فأكثر، فهو في الأخير الرئيس المباشر لحسان ومكمن أسراره وأسرار فترة عصيبة من تاريخ الجزائر معه. التطرق لهذا الموضوع يصدق فيه قول الأعشى: كَنَاطِحٍ صَخرَة يَوْماً ليوهنها…. فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوعل. الغريب أن بعض الصحافة خرجت علينا مدعية معرفة أغوار فترة مدين الطويلة، فاتخذت من هذا الرجل موقفا مضادا وتقريعيا، والعجيب أن ذات الصحافة كانت تسبح بحمد ساكن " بن عكنون " وتهلل له ليل نهار، وما فتئت أن قلبت معطفها بعد أن ولى الرجل مدبرا، وهو الذي صنعها وراكم مالها وسمح لها بتجاوز القوانين. ينتقد مدين قانونا عسكريا من زمن بومدين .. ويشتكي مثل ما يشتكي البسطاء مما يعتقدون أنه جور.. فسبحان مغير الأحوال. سيحكم التاريخ يوما ما ل" توفيق " أو عليه، سيحكم أيضا عن الإجراءات التي اتخذت أخيرا بإعادة تنظيم جهاز الاستعلامات وترتيب بيتها. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فما يجري من محاكمات وتصريحات وتصريحات مضادة لمسؤولين سابقين أو حاليين ورؤساء أحزاب سواء في العلن أو في الخفاء، وما تحيكه العصب وما تحكيه بلسان بعض الصحف والمواقع لهو أمر جِديٌّ من شأنه أن يُدخل في القلب رجفة ويزيد من منسوب الدماء في العروق، فالجزائر تعيش تغييرات غير مسبوقة لا يعلم أهدافها إلا العاملين عليها، أما البسطاء مثلي فلا يملكون إلا الدعاء، عسى أن يكون ذلك بردا وسلاما على بلد تحوم من حوله أخطار من الداخل والخارج.