بتوفير كافة الشروط لضمان عدالة مستقلة ونزيهة    عطّاف يستقبل عزيزي    حاجيات المواطن أولوية الأولويات    اختتام زيارة التميز التكنولوجي في الصين    حشيشي يتباحث مع وفد عن شركة عُمانية    هيئة بوغالي تتضامن مع العراق    اعتداء مخزني على صحفي صحراوي    إعادة انتخاب دنيا حجّاب    ندوة بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة    توقيف مُشعوذ إلكتروني    الشرطة توعّي من أخطار الغاز    نتنياهو وغالانت في مواجهة سيف القضاء الدولي    مناشدة لحماية النساء الصحراويات من قمع الاحتلال المغربي    الجزائر تدعو إلى فرض عقوبات رادعة من قبل مجلس الأمن    الجزائر تسير بخطوات ثابتة لتجويد التعليم    الرئيس تبون رفع سقف الطموحات عاليا لصالح المواطن    استعداد لبناء شراكة قوية ومستدامة    رسميا.. رفع المنحة الدراسية لطلبة العلوم الطبية    دروس الدعم "تجارة" تستنزف جيوب العائلات    أحفاد نوفمبر.. قادة التغيير الاجتماعي والاقتصادي    العميد يتحدى "الكاف" في اختبار كبير    اتفاقيات بالجملة دعما لحاملي المشاريع    استذكار أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية    التجريدي تخصّصي والألوان عشقي    اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي تشارك في الندوة ال48 لل"إيكوكو" بلشبونة    منظمة الصحة العالمية:الوضع في مستشفى كمال عدوان بغزة مأساوي    اكتشفوا أحدث الابتكارات في عدة مجالات.. اختتام "زيارة التميز التكنولوجي" في الصين لتعزيز مهارات 20 طالبا    الرئيس الاول للمحكمة العليا: الجميع مطالب بالتصدي لكل ما من شأنه الاستهانة بقوانين الجمهورية    المجمع العمومي لإنجاز السكك الحديدية : رفع تحدي إنجاز المشاريع الكبرى في آجالها    انخراط كل الوزارات والهيئات في تنفيذ برنامج تطوير الطاقات المتجددة    إبراز جهود الجزائر في مكافحة العنف ضد المرأة    مخرجات اجتماع مجلس الوزراء : رئيس الجمهورية يريد تسريع تجسيد الوعود الانتخابية والتكفل بحاجيات المواطن    دراجات/الاتحاد العربي: الاتحادية الجزائرية تفوز بدرع التفوق 2023    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: تسليط الضوء على أدب الطفل والتحديات الرقمية الراهنة    وفد طبي إيطالي في الجزائر لإجراء عمليات جراحية قلبية معقدة للاطفال    كأس الكونفدرالية الإفريقية: شباب قسنطينة يشد الرحال نحو تونس لمواجهة النادي الصفاقسي    مجلة "رسالة المسجد" تنجح في تحقيق معايير اعتماد معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي    كرة اليد/بطولة افريقيا للأمم-2024 /سيدات: المنتخب الوطني بكينشاسا لإعادة الاعتبار للكرة النسوية    الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي : مشروع "غزة، من المسافة صفر" يفتك ثلاث جوائز    الحفل الاستذكاري لأميرة الطرب العربي : فنانون جزائريون يطربون الجمهور بأجمل ما غنّت وردة الجزائرية    الجَزَائِر العَاشقة لأَرضِ فِلسَطِين المُباركَة    عين الدفلى: اطلاق حملة تحسيسية حول مخاطر الحمولة الزائدة لمركبات نقل البضائع    الوادي: انتقاء عشرة أعمال للمشاركة في المسابقة الوطنية الجامعية للتنشيط على الركح    "تسيير الارشيف في قطاع الصحة والتحول الرقمي" محور أشغال ملتقى بالجزائر العاصمة    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة        قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شكراً… زهور ونيسي
نشر في الحوار يوم 17 - 01 - 2016


تكريم
إعداد : رمضان نايلي
تعتبر السّيّدة زهور ونيسي من الوجوه السّياسيّة لعهد الرّئيس الرّاحل "الشاذلي بن جديد"، وهي أول امرأة جزائرية يعهد إليها بمنصب وزاري ( وزيرة للشؤون الاجتماعية ،ثم وزيرة للحماية الاجتماعية، فوزيرة للتربية الوطنية )… أول امرأة جزائرية ترأس وتدير مجلة نسائية "الجزائرية"… شاركت في تأسيس الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات… مجاهدة في ثورة التحرير الجزائرية… تحمل وسام المقاوم ووسام الاستحقاق الوطني…وفي رصيدها الأدبي العديد من الأعمال المسرحيّة والرّوائيّة والقصصيّة ..الحوار تنقل لكم في هذا العدد شهادات مختلفة لإعلاميين وأدباء يتحدّثون فيها عن المجاهدة ،السّياسيّة، الإعلاميّة ،والأديبة زهور ونيسي وأعمالها الخالدة .
الإعلاميّ محمد بوعزّارة " زهورعاشقة الحرف .."
لا أتذكر ذلك اليوم بالضبط، لكن الأقرب أنه بداية شهر جانفي من عام 1983.
كنت أتأهبُ لدخول الباب الرئيسي للقاعة الكبرى للاجتماعات بقصر الأمم في نادي الصنوبر لتغطية ندوة لإطارات الأمة كانت تجري تحت إشراف الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد رحمه الله..
بالقرب من الباب كانت السيدة زهور ونيسي كاتبة الدولة للشؤون الاجتماعية تتوسط محمد رويغي، و كان يشغل وقتها منصب كاتب الدولة للغابات و تثمين الأراضي و أحمد بن فريحة كاتب الدولة للصيد و النقل البحري حينها.
و إذا بها تقول لي مبتسمة: الأكيد أن المواطنين سيمتنعون بدء من الآن عن إنجاب المزيد من الأطفال بعد الاستماع إلى برنامجك.
كنت في اليوم الذي سبق ذلك اللقاء قدمتُ برنامجا خاصا عبر القناة الأولى للإذاعة الوطنية عن مسألة تنظيم النسل ضمن في شرحٍ لخطة العمل التي كانت تقوم بها السيدة زهور ونيسي .
كانت العلاقة معها في تلك الفترة قد توطدت عبر لقاءات متعددة كانت السيدة زهور تعقدها باستمرار مع مسؤولي الإعلام لتوضيح أبعاد تلك الخطة للحيلولة دون ظاهرة النمو السكاني التي كانت تقلق السلطات في تلك الفترة .
لكن العلاقة مع السيدة زهور تعود إلى ما قبل ذلك و لو عن بعد ، فقد كانت ثانوية ابن خلدون التي كنا ندرس بها و تظم طلبة جميعهم من الذكور في منافسة شديدة مع ثانوية عائشة التي كانت تظم في مجموعها طالبات .
كان مدير ثانويتنا الشيخ عبد المجيد حيرش رحمه الله كثيرا ما يُعَيرنا إذا ما حازت ثانوية عائشة التي كانت السيدة زهور تدرس بها على نتائج أحسن من ثانويتنا في امتحانات الباكالوريا و يقول مرددا المثل الشعبي : عيشة خير من عياش .
كنا نعرف من خلال لقاءاتنا بطالبات تلك الثانوية في المكتبة الوطنية أثناء المطالعة أسماء الأساتذة البارزين و من بينهن السيدة زهور التي كنا نتمنى في قرارة أنفسنا أن تنظم لثانويتنا للتدريس .
لن أتحدث عن مسار زهور المجاهدة و قد روته في كتابها الرائع الذي دونت فيه سيرتها الذاتية عبر الزهور و الأشواك و لن أتحدث عن المرأة العصامية التي واصلت دراستها لتنال شهادتين بعد الاستقلال رغم عملها و نضالها الدؤوب، لكنني أحاول في هذه العجالة أن أتحدث عن زهور عاشقة الحرف .
ظلت زهور وفية للحرف و لمهنة الصحافة و الكتابة عموما منذ فجر الاستقلال، فقد أسست مع الصديق الراحل الطاهر وطار جريدة الجماهير ، و رغم أن تلك الجريدة كانت تظم مجموعة من اليساريين من بينهم التونسي الأخضر عفيف و الصديق الطاهر بن عائشة يرحمه الله ؛ إلا أن ابنة مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و ابنة جبهة التحرير الوطني ظلت وفية لانتمائها و جذورها العربية الإسلامية الأمازيغية و لم يسرقها اليسار لحظة واحدة ، حتى أن الرئيس الراحل هواري بومدين كما تقول كان معجبا بكتاباتها و أفكارها .
و ساهمت زهور في تأسيس صحيفة الثورة و العمل الناطقة باسم الاتحاد العام للعمال الجزائريين .
و إذا كانت السيدة زهور أول امرأة تتولى حقيبة وزارية عقب استعادة الاستقلال في عهد الرئيس الشاذلي فإن ذلك جاء لمكافأتها على جهودها لترقية المرأة الجزائرية، أو لم تكن السيدة زهور مؤسِّسة و مديرة مجلة الجزائرية التي بقيت على رأسها منذ انبعاثها عام 1970 إلى غاية تعيينها كاتبة للدولة عام 1982 .
لم تترك عاشقة الحرف مجالا في الكتابة إلا و طرقته ، كتبت المقالة الصحفية و الرواية و القصة ، و كتبت للمسرح و للسينما، و كتبت في السياسة و هي التي سكنتها السياسة مثلما توغل في مسامها الحرف الجميل.
انتخبتْ في عضوية المجلس الشعبي الوطني و نافحتْ عن قضايا الشعب و عُينت عضوا في مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة .
إن عشقت السيدة زهور الحرف فإنها كانت امرأة من طراز خاص ، علَّمت في المدرسة و الثانوية و الجامعة و حاضرت و ناقشت و جادلت و لكنها قبل ذلك صعدت الجبل مجاهدة في ريعان شبابها رفيقة للرجل حيث تركت القلم و امتشقت البندقية لتذود عن شرف الوطن في جبال الجزائر الشامخة .
زهور هي امرأة شامخة في روحها، هي من معدن نفيس نخاف أن يندثر، لا تلهث وراء المنصب ، لا يغريها المال و لا المظهر .
ظلمها بعضهم بعد أحداث أكتوبر 1988 ، تركت لهم العاصمة، فضلت الهدوء و رحلت بعيدا إلى الجنوب بعيدا بعيدا و لم تحتمل ذلك الظلم على الشرفاء و تلك المؤامرة على الوطن ..
و عندما استفاق الشبان الذين نادوا مساعدية سَرَّاق المالية و حطَّموا ظلما المنزل الذي بنته زهور مع رفيق دربها بعرق الجبين راح أولئك الشبان يعتذرون لها بعد أن أدركوا أنهم أخطأوا في حق مساعدية و زهور ،و في حق الكثيرين ممن طالهم ظلم أكتوبر ، مثلما أخطأ غيرهم في حق آيت أحمد و الآخرين قبل ذلك و بعد ذلك .
تحياتي إليك أيتها الوفية للمبدء العاشقة للحرف الجميل .
كل عام و أنت كالوردة التي تعطينا أجمل العطور يا زهور، بل كل عام و أنت تجودين بأفضل الحروف و أعذب الكلمات التي تبقى شاهدة على أن الأشواك لن تعيق أصحاب الهمم العالية من العبور نحو شاطئ الأمان و طريق المجد .
الإعلاميّ خليفة بن قارة " زهور ونيسي الأديبة الإعلامية والوزيرة كما أراها ".
هي مجموعة نساء في امرأة واحدة، امرأة مُتجذِّرة في هذه الأرض، اكتسبت منها طّهرها وأنفتها وصلابتها، وأعتبرها رائدة جيلها، وما زالت تحتل مكانها بين الأجيال التي أتت من بعد، وهي باقة ورْدٍ تأبى الذبول، وكأنها زهرة لكل الفصول، وأنا شخصيا أراني محظوظًا، لأني سأؤرّخ لوجودي بزمن زهور ونيسي .
زهور ونيسي الأديبة التي كانت محل دراسات جامعية عديدة، هي إعلامية قبل ذلك، ومن الطراز الأول، قد تكون المرأة الأولى في ميدان الإعلام، فهي أحد مؤسسيه، في دولة ما بعد استرجاع الاستقلال، وهي الريشة الأنثوية الأولى، التي أنارت درْبه، كي تضمن التكامل المطلوب مع القلم، الذي انتفض في يد الثوار، منذ انتشار ليل الاحتلال، ويرجع لها الفضل في إنشاء مجلة ناطقة باسم المرأة الجزائرية، وعلى صفحاتها طرحت آراءها الجريئة، في كثير من قضايا المجتمع حديث الولادة، برغم أنها قادمة من زمن الثقافة الثورية، التي لا يحق لأفرادها أن يتساءلوا عن شيء أشكل عليهم، بل الواجب الوطني يُحتِّم عليهم، أن يفعلوا ما يُؤمَرون ولا يسألون، وينضبطوا بالتوجّه العام، ولا يحيدون .
صحيح أنها ظهرت في زمنٍ ليس من السهل أن تبرز فيه كفاءة فردية، خاصة إذا كانت امرأة، إلا إذا كانت من طينة زهور، وصحيح أيضا أنها تبنّت قضية، لم يكن بالإمكان أن ينجح فيها، إلا مَن أوتِي إرادة لا تُقهَر، وصحيح كذلك أنها أبحرت في الكتابة، بِحرْفٍ مُحاصَر، من العسير أن يصل حامل همِّه إلى ضفة النجاح، إلا مَن كانت له القدرة الخارقة، على تجاوز الحواجز الأيديولوجية، والمَطبّات السياسية، والمتاريس الثقافية اللغوية، ولكن الصحيح أيضا، أنها اتّخذت مكانا ثابتًا لها، في خندق الوطنية التي لم تُؤمن بتجزئتها كما فعل البعض ويفعلون، وظلت مرابطة لا تتزعزع، فالوطن بالنسبة لها ليس ورق خريطة نباهي باتّساعها الآخرين فقط، إنما هو مجموع قِيَّم ثابتة، تربط الأجيال إلى بعضها، وتضمن للأمة الواحدة، الثبات كالوتد في الأرض أولا، والانطلاق منها ثانيا، إلى آفاق هي لوحة رسمتها السنون، ووقّعتها ريشة الجزائريين عبر مختلف الأزمان .
أعلم أن السيدة زهور- كما قال الأديب الروائي أمين الزاوي ذات مرة- لو كانت تكتب باللغة الفرنسية، لكان لها شأن عظيم آخر، ولتجاوزت المكانة التي وصلها غيرها، ممن كتبوا "بغنيمة الحرب"، الذين روّج لهم الإعلام الجزائري المكتوب بالفرنسية، والذي وجد صداه القوي في الإعلام الفرنسي، فهل كانت صديقتنا مغبونة بعربيّتها ؟ إنها سعيدة بحرفها الذي عشقته، وقد جعلته مجدافها الذي لا يُخطئ طريقه، وامتدادها كذلك في الأفق البعيد، المُوغِل في حضارةٍ هي قاعدة إقلاع الحضارة الإنسانية المعاصرة، إنه اختيارها الواعي، رفضت أن تكون "مُخنّثَة" أو معاقة لغويا، أو ذائبة في لغة المحتل، حتى ولو جعلها الكثيرون جدا، مطية للشهرة الزائفة والبهرجة الإعلامية العابرة، وإن افتقدت الإبداع الأدبي، الذي يُميِّز الكاتب الجيِّد عن غيره، كما يُميِّز اللغة الأجود عن غيرها، لقد خدمت اللغة العربية، في وقتٍ كان فيه المُتعلِّمون بها وحتى المثقّفون، يتواروْن عن الناس في الحديث بها، حتى لا يقال لهم مُعرَّبون، بعدما أصبح ذلك في العُرْف السياسي، سُبَّة حضارية .
لا شك أن هذه المرأة- التي كان لي الشرف محاورتها إعلاميا أكثر من مرة في زمنٍ مضى، وتعلمّت منها فنّ إدارة الحوار الناجح- ستكون قدوة لكل النساء الجزائريات الأصيلات الحداثيات، أولئك اللائي تستمدْن قوة إبداعهن، وحضورهن الإيجابي، من قوة قيّم أمتهن، وينطلقن منها إلى حداثةٍ لا تجتثهن، إنما تكون إضافة نوعية لهن، وللمجتمع قاطبة، بل ستكون معلما مضيئا يهتدي به كل الإعلاميين الجزائريين، على طريق بحثهم الدائم عن الحقيقة …
الدّكتورة حنين عمر : زهور ونيسي : النموذج الأعلى للمرأة الجزائرية"
عرفت الدكتورة زهور ونيسي في البداية عبر كتاباتها، ثم التقيتها صدفة في المكتبة الوطنية وأنا ما أزال مراهقة صغيرة تخطو أول خطواتها في المشهد الأدبي ، أتذكر آنذاك أن أكثر ما لفت انتباهي كان تواضعها و ابتسامتها الطيبة التي استقبلتني بها ، وهي الابتسامة التي ظلت مشرقة لسنوات طويلة في ذاكرتي كلما تحدثت عنها، والتي ما تزال تعلو محياها وتستقبلني بها في كل مرة ألتقيها حتى الآن .
الحديث معها في كل لقاء، يستحق الاحتفاء، تأخذني بما تقوله إلى عالم من الذكريات الإنسانية والتاريخية التي تلقنني دروسا بها وتحمّلني في طياتها تراثا قيّما، فأصغي إليها ويسعدني تواطؤنا الجميل ، أشعر حينها أننا من عائلة واحدة و أنه في مساحة لقاء جيلين ما بيني وبينها تمتد الجزائر كلها عبر الزمن، إنها ببساطة : تجعلني "جزائرية جدا" ، تعزز انتمائي، تربطني بخيط من موسيقى المالوف إليها، لتخفف كثيرا من شعور الاغتراب والعزلة الذي يسربه آخرون لروحي في المشهد الأدبي. أفليس هذا سببا كافيا لأحبها ؟
لا يمكنني إلا أن أعترف أنني أحب هذه المرأة ، أحب أمومتها علينا وحنانها وتواضعها وطيبتها وهيبتها وثقافتها ونضالها والتزامها وأناقتها واحترامها لنفسها، أحب فيها المجاهدة التي آمنت بحرية وطنها، والأديبة التي دونّت بعمق تجاربها ورؤيتها وكانت أول من كتب باللغة العربية في بلادنا، والسياسية المتواضعة التي يشرف اسمها المناصب ولا تنتظر أن تشرفها مناصبها، والمثقفة التي تحمل ذاكرة تاريخنا وكنوز الأدب والمعرفة، والمعلمة التي لا تبخل بالنصح والإرشاد على أجيالنا ، والأم التي نجحت في تربية أبنائها والقيام بواجب أسرتها، وأحب فيها أيضا المرأة الجزائرية الأنيقة في لباسها الراقية في تعاملها ، المهذبة في حركاتها و المحافظة على أصالتها وأخلاقها والمؤمنة بموهبتها والمستقلة بكيانها الوجودي ، هكذا أراها ، وهكذا عرفتها ، وإن كان لي أن أختار امرأة جزائرية رائدة في المشهد الثقافي الجزائري فهي بلا شك القدوة العليا التي يجب أن يحتذى بها، والتي أتمنى أن أصبح مثلها ، إنها المثال النبيل الذي يجب أن نروج له في تأسيس الأجيال الجزائرية القادمة لإخراج جيل من النساء الجديرات بالتقدير والاحترام، فمنها تعلمنا كيف نكون أبيّات ، مرفوعات الرأس، متمكنات من لغتنا ونصوصنا ومعتزات بهويتنا وتاريخنا ، ومتمسكات بأخلاقنا وحريتنا ومناضلات في سبيل الحق والوطن، ولا يسعني في آخر شهادتي هذه سوى أن أقول لها شكرا يا سيدتي لأنك كنت وستبقين "القدوة" الجميلة.
القاصة والرّوائيّة صليحة لعراجي " زهور ونيسي .. امرأة من زمن الانتصارات "
لا تزال تتربع على عرشها المرأة الرمز ، كشجرة وافرة الظلال ، المسافرة عبر الزهور والأشواك ، السيدة زهور ونيسي ، المرأة التي حباها الله بعزيمة لا تضاهى ، البسيطة بساطة العظماء ، حمّالة الأوسمة ، الجميلة التي قاقت كلّ الجميلات في استنزافها لكلّ وسائل النضال في الماضي والحاضر ، المتطلعة للغد بتفاؤل عجيب وبابتسامة مشرقة تتحدى بها الصّعاب ، المتشبثة بقيم الثورة ومباديء الخلق القويم ، الخائضة غمار السياسة كونها أول امرأة تقلدت منصب وزيرة ، بنت قسنطينة البارة ، أخت الشعب وبنت الجزائر العميقة ، الحرة بيت الحرائر ، الاديبة المتميزة ، العاشقة للكلمة الهادئة والأدب النبيل ، الضاربة في الجذور عمقا ، السامقة في الأدب سموّا ورفعة ، الرافلة في خمائل الوطن ، المؤمنة بيقين لا يساوره شك ان لا وطن لنا جميعا على اختلاف مشاربنا الاّ الجزائر ، وطن يتعثر لينهض من جديد بعزيمة أكبر رغم الخسائر والانكسارات ، المشاركة بالفعل في كلّ ما من شأنه أن يؤسس دولة حضارية حديثة في كلّ مجالات الحياة من الإعلام إلى الثقافة إلى السياسة دون انتظار أي نفع مادي ملموس مثلما الحال عليه الآن .
امرأة من زمن الانتصارات تدثرت بثوب اليقين والثبات من أجل الرقي الى الأفضل دوما وأبدا ..امرأة ساندت المرأة في ملحمتها الأزلية وفي صراعها المضطرب ، وفي كفاحها المستميت ، ويا له من كفاح في مجتمع ميّال للركود ، يمقت التغيير بحجج واهية لا تسمن ولا تغني من جوع . شاء القدر أن ألتقي بها في عرس ثقافي جميل بقسنطينة ، أذكر ذلك اليوم جيدا إذ كان الحديث في المنصة عن جميلات الجزائر ، كنت قريبة منها ، نظرت إليّ بالصدفة ، وقالت شيئا عن المحاضرة ، ونشأ ما يشبه الحوار همسا ، وكأنها في تلك اللحظة الحميمية شعرت بالحزن الثقيل الجاثم على صدري منذ سنين يأبى المغادرة ، همست لها شيئا من هذا القبيل ففوجئت أن ضمتني إلى قلبها ، وكأنها شحنتني بالأمل والتفاؤل والمحبة ، وكنت حبيسة حزن عميق ..شكرا سيدتي الكريمة لبساطتك وتواضعك ومحبتك .
الرّوائيّة جميلة طلباوي " حكايتي مع المرأة الرمز…زهور ونيسي"
لطالما قرأت لها في مرحلة المتوسط وفراشات الكتابة الأدبية تنعتق في زوايا داخلي، لطالما أسرتني قصصها . ملامحها في صورها في مجلة الجزائرية أو على شاشة التلفزيون كانت تقول لي أكثر من شيء، تحرّك شيئا في دواخلي يجعلني أُجلّ هذه المرأة ليس فقط لكونها أديبة و مجاهدة و امرأة ناجحة لم تتنازل عن الرقم واحد في حياتها، فهي أول معلمة و أول برلمانية و أول وزيرة في تاريخ الجزائر المستقلة . بل لأنّ سرّا ما كان يختفي وراء ملامحها المفعمة بالأنوثة و الأمومة و التي تعكس تربية راقية لسيدة تلقت تنشئة أصيلة إلى أن التقيت بها في الصالون الدولي للكتاب عام 2014م و أنا أوقع روايتي "الخابية"، و إذا بهذه السيدة الفاضلة تشرق أمامي في جناح الوكالة الوطنية للنشر و الإشهار أين جمعتني الصدفة الجميلة ببيع بالإهداء للأديبين الكبيرين الشاعر أحمد حمدي و الروائي الحبيب السائح. أهديت السيدة الفاضلة نسخة من روايتي . بعد أيام من عودتي إلى مدينتي بشار تفاجأت باتصال هاتفي قال فيه الصوت الأنثوي المفعم بالأمومة و الأصالة:جميلة طلباوي أجبت بنعم، فجاءني الصوت مرة أخرى ليغمرني بعبارة حملتني إلى مدارج الصفاء : معك زهور ونيسي. المفاجأة كانت سارة لدرجة أربكتني و الأديبة الكبيرة و المجاهدة و الوزيرة السابقة السيدة الفاضلة زهور ونيسي تؤكد لي بأنّها اجتهدت في الحصول على رقم هاتفي من الأخت سميرة قبلي التي كانت حينها مديرة النشر فقط لتعبّر لي عن إعجابها بروايتي "الخابية"، حينها وجدت الإجابة عن السر الذي يختفي وراء تميّز هذه السيدة الفاضلة ، أدركت أنّها إنسانة بكل ما تحمله كلمة إنسان من معنى، لذا قررّت حين التقيتها في المهرجان الوطني الثقافي للشعر النسوي قسنطينة ديسمبر 2015م أن أتقرب منها و أطلب منها أن تمنحني فرصة إجراء حوار معها لصالح الإذاعة التي أعمل بها و هي الإذاعة الجزائرية من بشار، رحبّت بالفكرة بتواضع و محبة و ردا على كلمتي الترحيبية بها و أنا أقول لها ها هي ظلالك أيتها السنديانة الشامخة تمتد إلى ولاية بشار قالت: بشار هي التي تمتدّ داخلي و ليس العكس، إنّها عمقي الجميل، حاضري الآمل ، إنّها مستقبلي الموعود، هي صحراؤنا و كل جزء من هذه الأرض الطيبة التي اسمها الجزائر ، أنا أحبّ بلادي من شرقها إلى غربها و من شمالها إلى جنوبها، فأنا محسوبة على هذه الرقعة الكبيرة و لست محسوبة على قسنطينة فقط. هذه المرأة العظيمة أكدت لي في الحوار الذي أجريته معها بأنّها تعلمت بأنّ الاستقلال مجرد وسيلة، فآمنت بضرورة المشاركة في بناء الوطن بعد الاستقلال مباشرة ، فناضلت مع إخوة لها في مجال الثقافة و الفكر والتربية و الإعلام من أجل بناء مؤسسات الدولة فعملت على التأسيس في القطاع التربوي و الثقافي و الإعلامي، كتبت فأبدعت و درست و واصلت تعليمها الجامعي وكانت لها محطات كبرى في حياتها الأدبية و السياسية لكنّها آمنت بالإنسانة فيها و أحبّت بقاءها كمواطنة بسيطة فالمناصب كما صرّحت لم تؤثر على نقاء روحها و لم تجعل الغرور يتسلل إلى أعماقها ، لقد آمنت بأنّ المناصب زائلة و الثقافة أعلى من كل شيء و المواطنة الصالحة أعلى من كل شيء. لم أملك نفسي لأسألها عن المقولة التي صرّح بها زوجها الفاضل فأسالت حبرا كثيرا عندما قال: أحبها حتى الفناء، ابتسمت في رقة و عذوبة و علّقت بقولها: عندما يقول الرجل شيئا مثل هذا فاعلمي بأنّ هذه الزوجة أعطته الكثير من حنانها، و من وفائها و إخلاصها. و تأكد لي هذا أكثر و هي تحدثني عن ارتباطها ببلدة زوجها قالت عنها أنّها كانت تسمى لواء و أنّ من أسماها هو القائد جابر جدّ زوجها عندما جاء من الأندلس إلى تلك المنطقة و قد كان خليفة الأمير عبد القادر فاتخذ من تلك المنطقة مقاطعة له و أسماها لواء و مع كثرة التداول أصبح اسمها اليوم ليوة التابعة لدائرة طولقة بولاية بسكرة.تحدثت عن عشقها لعجائز القرية، عن إعجابها بفلسفتهنّ، بقدرتهنّ العجيبة على التضحية، فكان لا بدّ أن تكتب عجائز القمر. تحدثت أيضا عن ممارستها لحياتها اليومية كأيّة امرأة جزائرية تشبّعت بتربية أصيلة ، فلم يمنعها منصبها كوزيرة من الدخول للمطبخ و القيام بإعداد الطعام لزوجها الذي تبجله و تعبّر له عن امتنانها الكبير له إذ كان لها خير سند. أكتب هذه السطور و أنا ما زلت تحت وقع الانبهار بهذه الشخصية الإنسانية و النسائية العظيمة ، إنّها بالفعل المرأة الرمز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.