بقلم : خليل بن الدين بعد فترة قصيرة من وصولي إلى سريلانكا أو سرنديب كما يحلو للعرب التجار القدامى تسميتها وهم الذين نقلوا إليها الدين الإسلامي في عصور سابقة، بعد فترة انتبهت إلى غياب المدخنين عن نظري، حيث لم تعد رائحة السيجارة تزكم أنفي كما هو معتاد في كل زاوية وفي كل مكان في بلادنا. اعتقدت في البداية أن الأمر مجرد عدم تركيز مني أو أني من فرط ما رأيت من خضرة وطبيعة ظننت أن بإمكانها حجب خيوط الدخان وامتصاص رائحته .. أخبرني مرافقنا فيما بعد أن الحكومة السريلانكية اتخذت منذ سنوات قرارا بمنع التدخين في الأماكن العامة ومن بينها الشوارع والساحات والأسواق. لم يفاجئني الخبر في حد ذاته، فمعظم دول العالم اتخذت مثل هذا القرار وخصصت حيزا محددا للمدخنين في الأماكن العامة والمطارات ومحطات النقل ينزوي إليه هواة السيجارة لينفثوا فيه سمومها التي تهلك الزرع والنسل، ولكن ما فاجأني حقيقة، هو التزام المواطن السريلانكي بهذا القرار وتطبيقه تطبيقا يكاد يكون كليا، فلقد أحصيت أثناء مقامي في هذا البلد، والذي امتد 12 يوما بالكمال والتمام وجلت فيه معظم المدن والأرياف، ثلاثة مدخنين فقط، رأتهم عيناي قابضين على لفافة سجائرهم كالقابض على الجمر، يتوارون عن أعين الناس مخافة افتضاح أمرهم، فالتدخين في هذه البلاد الآسياوية أصبح أمرا معيبا يجافيه الأبناء والأباء، قبل أن يتحول إلى قانون يطبقه الجميع. على شاشة "الشروق " تابع الجزائريون شهادات وزير الدفاع الأسبق " خالد نزار " وشاهدوا سيجارته التي لاتكاد تنتهي حتى يوقد أخرى، يستلذ اللواء دخانها الذي ألفه لسنوات طويلة ولم يستطع التخلي عنه حتى أثناء تسجيله شهادات للتاريخ، في لقاء صحفي منقول تلفزيونيا، فالحديث لا يطيب عنده إلا ونار السيجارة متقدة، والذاكرة لا تستثار لديه إلا بنكهة نيكوتين باستطاعتها الحفاظ على انتعاش ذاكرة تبدو قوية وهي تستعرض تفاصيل أعوام طويلة من الحكم والصراعات السياسية والعسكرية . قد يقول قائل إن الحديث عن سيجارة الجنرال مجرد إفلاس في الموضوعات عند صحفي، فلو كانت القضية تقتصر على عدم احترام منع التدخين في الأماكن العامة لهان الأمر، ولكن كبريات الأمور تقاس بصغيراتها، وما يهمني في كل هذا هو المقارنة بين الشعوب ومدى استجابتها لاحترام القوانين التي تصدرها برلماناتها، والتي من المفترض أن يكون كبار القوم أمثلة في تطبيقها. ففي بلادنا يُصدر المشرع قوانين كثيرة، وتكاد تتجمع لديه فهارس مكتملة من أحسنها عالميا، لتبقى في الأخير مجرد فهارس للزينة لا تجد معظمها طريقا للتطبيق إلا فيما ندر.