بقلم: خليل بن الدين أتاح لي مهرجان الفيلم العربي بوهران ذات يوم أن ألتقي بثلة من المثقفين العرب الذين أعرفهم، وكان من بينهم صديقي الشاعر والكاتب الفلسطيني علي العامري مدير الشؤون الثقافية والفنية في جريدة "الإمارات اليوم ". كانت فرصة طيبة أن نلتقي في رحاب هذه المدينة المضيافة التي يتسع صدرها للوافدين، فتقدم نفسها مدينة مفتوحة على البحر والثقافات والشعوب، مدينة تبدو يافعة بالرغم مما اعتراها من هرم كما وصفها العامري. سألني صديقي بحرص شديد عن حاجته إلى كتب لمناطق الجزائر المختلفة يريد اقتناءها، فهي زاده المعرفي والسياحي الذي يريد من خلاله تقديم صورة متكاملة ثقافية عن بلد زاره وأعجب بجمال طبيعته وطيبة ناسه ..فتشت في ذاكرتي البعيدة عن عناوين مكتبات كنت أزورها في شارعي العربي بن مهيدي ومحمد خميستي في وسط البلد، جبنا الشارعين الطويلين في رحلة بحث لم نفز منها إلا بغنيمة المشي التي كان صديقنا الفقيد الكاتب والصحفي " بختي بن عودة " يسميها طواف الشارعين، فالمكتبات غيرت بوصلتها نحو ثقافة الاستهلاك وأصبحت محلات للأكل والشرب أواللباس والتجارة، أما مكتبة " بن سماعيل " آخر مكتبات الشارع الرئيسي في وهران فلقد خمدت شعلتها، ولملم صاحبها المثقف آخر رزمه، وتوارى عن الأنظار، تاركا المكان وراء ستار حديدي صلب. في زوايا المدينة الأخرى لم نعثر إلا على محلات هي أقرب إلى القرطاسية منها إلى مكتبة، على ناصية شارع "واجهة البحر" تمكث هناك مكتبة تحارب النسيان والهجر والجحود، وتقدم لزائري وهران آخر البطاقات الجميلة عن المدينة وعن الجزائر عامة. لم تدم فرحتي طويلا بمقاومة هذه المكتبة زحف المطاعم والمقاهي ومحلات الملابس وإكسسورات الهواتف النقالة، في رفوف المكتبة كتب قليلة مما يرغب صديقي في اقتنائها وصاحبي أيضا لايقرأ الفرنسية والكتب المتوفرة كلها بهذه اللغة. أصبنا نحن الاثنين بخيبة أمل، سألت موظفة المحل عن إمكانية توفر كتب باللغة العربية تعنى بالأدب والرحلات والسياحة في الجزائر، يمكن لكاتب عربي شراؤها، فجاء جوابها نفيا قطعيا، وشعرت وكأن سؤالي عن ذلك الأمر استفزها فردت مستغربة، بالقطع لا!!. هاتفت معارفي من مثقفي وهران لأسألهم عن عناوين قد لا أعرفها لمكتبات أخرى في المدينة، فمازحني بعضهم قائلا إن هذا من الماضي الجميل، ومنهم من ضحك من غربتي وسذاجتي، ومنهم من غير مجرى الحديث للسؤال عن أسعار المواد التموينية وارتفاع أسعار الإسمنت والحديد.