صالح جبار خلفاوي * نيكوتين حينما يختزل العالم سلوكه المحتقر تنبت في مسامات النهار الكثير من الظنون، هذا القميء يزرع شكوكه عند مفاصل الآخرين، يحتاج إلى أنزيمات كثيرة حتى تختمر عنده الأخلاق، لا يتورع عن أي تصرف يجعله يشعر بالقوة، لذا فهو دائم التشنج، الرئة المكتظة بالنيكوتين لاتعرف طعم الهواء النقي، انفعالاته المزيفة لها جذور فساد يرعاها مسؤول فاسد مثله .. لما بكى عبد الله آخر ملوك الطوائف على ملكه، لم يعزهِ أحد، بسبب عدم استيعابه الصدمة فبقي يبكي .. تفاقم الأحداث لا تأتي من فراغ، يلوك انحدار الهزيمة بعدما يعبر إلى ضفة النهر الأخرى، لكن المعضلة تتفاقم لما يسنده من تظن أن الخلاص هو من يصنعه، هذه الهُزالة توسع رقعة الفتق الذي هو أصلا عصي على الخياطة فيتمادى بلا تردد لأن الوازع الذي بنينا عليه الأمل هو سبب القنوط لا تكفي الحسرة ولا حُسن النية، لابد من فعل يوقف الأعمال التي تجلب النحس من دون مقدمات، هذا العالق بين شهادته الجامعية ورغبته المنحرفة قائم على مستوى واهن من التبجح بأنه من الكائنات البشرية، العوق الأخلاقي لا يمنع أبو نواس من التحليق بفضاء الشعر، ويقعد الجاحظ عن الكف عن بخله، ترى ما يجمع بينهما؟ عالمان من البوح لكنهما يختلفان في التأثير، لكن هذا النزق يحاول أ ن يوجد شهادة جامعية بالغش بعد أن أنبرت له أستاذة (مادة العينية) من يجمع بين الغباء والطموح يعثر على فاصلتين، الأولى شرخ والأخرى أذية المحيطين به، كحامل راية ممزقة يظن أنها أحسن الرايات .. في حكمه الداخلي قناعة لكن الأحكام المحيطة لها وجهة نظر أخرى ، فالتخرس الألسن، حقيبته الدبلوماسية تحوي خرافة الشكل المحترم لكنه أبعد ما يكون عن ذلك هو هيجان قمامة لا تند عنها سوى الروائح العطنة، لذا تبقى رئة المدخن بشراهة مأزومة بالنيكوتين، وخلاصة وجع مخفي لا يتوقعه لأن حضوره يجيء بلا موعد وعواقبه وخيمة. * أي زاوية التماهي في البقاء بمكان واحد، ليس دليلا على البقاء، بل هو إصرار على القباحة أحياناً، ومرة أخرى التشبث بتعلقات ما يوجد به الموضع .. تتمترس خلف زاوية (أي زاوية) محاولة في اكتشاف الأبعاد النفسية المتأصلة في الذات، بُعداً يتجسد في الفراغ الطافي بين المرئي واللامرئي، عالمان متوازيان، انهمار عالق في ذاكرة معطوبة، لتسيد موقف يخشاه العارفون ويتكالب عليه الحمقى في لبوس الانفعال، لتصير حياة المحيطين بهم تشنجا يترتب عليه اكتظاظ بالأزمات المتوالدة عبر مخاض عسير، قصص من توجس وخيفة من مجهول عِبر إيجاد لوائح مزعجة من أوامر صارمة لا يفهم منها سوى التبعثر .. خواطر تجول كما الأرقام المتراسلة في ذهن مكدود من تعب لا يتوقف، انفعالياته المتكررة تعكس ماضٍ مربوط بحالات استثنائية، أو تعبيراً عن أسلوب مهاجم ليغطي وجهاً كالحاً لم يعرف صفة التوادد .. الشيء الوحيد الذي تبحث عنه، استعدادا لجزء محتمل السقوط من صدر منخور من الشك، لا يمكن تحديد ضرره، رجل لا يستجيب لعمل مجد، ربما يكون شيئاً نساه في زحمة أيامه ..ربما علق في رنة هاتفً، يحوي ذكريات، أرقاما، رسائل، ترافق سعيه في البحث عن خبر جيد يعيد الطمأنينة إلى نفسه المهدورة في مجرات مشاكله المعلقة ..يرسل نسخة من جهوزية أفكاره العائمة خلف ضباب نهائيات التراكم التي لا تحصى، بناء يريد له البقاء رغم التذمر الخانق .. في آخر الشارع كلم حالاته الطارئة عن أمور غامضة، عشق لألوان لم يحدد انبعاثاتها داخل روحه المأزومة، قد يترنم بأغنية عافها اللحن، إحباط جولة من التردد، سيقلب طاولة النرد ليحصل على زهر مكتمل .. يبحث في ركام مميز لأمور غير مميزة، لا تقنع الآخرين لكنها في أحسن أحوالها استياء وتخلي عن معرفة مسبقة بعدم الإصغاء إلا لنفسه الضاجة بالشكوى، لذا يستجدي نصيحة مجانية علّه يحظى بفرصة سعيدة .. * سطيح المسافة بين الجدار والمكان الذي نجلس فيه يحتاج عشرة خطوات لأصل إليه حتى أبدل نوبة الحراسة، المكان بناية دائرة حكومية متروكة تمترسنا فيها بعد أن تقدمنا ليلا نحو شاخص للعدو كان يضع فيه قناصاً، الأرض الترابية هشة، الشجيرات المزروعة بعناية لا تغطي أجسادنا حين الوثوب .. حجي عمران ذلك الرجل ذو الملامح القاسية واللحية البيضاء، يقول تركت بسطيتي في سوق الديوانية حتى التحق بالحشد.. يستطرد: لم تكن الفكرة مكتملة، لكنها كانت هبة عصفت داخلي من دون تردد .. يشعل لفافة التبغ .. أتركه .. أمضي نحو برج المراقبة، الأرض تبدو متموجة من هذا الشاهق .. أوراق النباتات تهتز .. المساء يقترب مع عتمته الأزلية .. يقولون تكريت كانت قرية رجل يدعى سطيح، حاولت فهم معنى كلمة سطيح إلى أن ظفرت بكتاب قديم يتحدث عن ذلك .. لم يكن إنساناً مكتملا .. هيئته مسطحة .. كائن بلا عظام .. تتحدث الرواية .. لكنه يتمتع بذهن متقد، يتنبىء بالأحداث، حينما جاءته البشارة ألقى جسده من السطح .. أزت رصاصة قرب رأسي ، انتبهت، رأيت شبحاً أسوداً يتدحرج بين الشجيرات، صرخ حجي عمران لا تتراجع أنا خلفك أحميك .. الجسد المتحرك أمامي كان مدولبا لايمشي على قدميه بل يدور مثلما الكرة، صوبت البندقية نحوه، أطلقت رصاصتين عليه توقف كأنما أصيب إصابة بالغة، صوت أنينه يملأ الفضاء، يرجع متدحرجاً إلى الوراء .. صوت عمران لم يكف عن التكبير، رائحة الليل تكسو الفضاء الواسع، يعاود الرجوع صاحب الجسم المسطح ليلقي نفسه باتجاه الجدار .. لتنير العتمة شعلة نار جراء انفجار جسده، بينما يبقى جسدي معلقاً على برج الحراسة، وتكبيرات عمران لم تتوقف رغم الرمي المستمر .. تبعته الأجساد المسطحة، أشتد أزيز الرصاص وانفجار قنابل الهاون، اختلطت الأصوات، لكن أنيناً مدوياً ظل يرتفع كأنه يأتي من دهليز يغور في جوف أرضي بعيد، سلالة من فزع البشارة تحمل ملامح مشوهة، علامات تنبئ عن وجع لا يستكين. * المقبض مقبض الباب يحوي أصابعي التي حاولت سحبه في الشتاء الماضي، ما زال مفتوحا على مصراعيه، رغم تغير الفصل ليصبح الجو حارا يغزو دبق الحشرات، بصماتي تحمل أثر الطلاء، البارحة تذكرت النجمة التي كنا نرصدها من وراء الزجاج البارد، اليوم أختفت، لا أراها في مكانها المعهود، حاولت إرجاع الرتاج، لكن القفل صدأ من الإهمال وسقف الأمنيات تقلص حتى صارت بقايانا حجر ينزف .. فصول تتقلب، أصابع تحوي رعشة مقبض، باب لم يغادر ناقوس ذاكرة تقرع بلا توقف، كل الأبواب موصدة إلا بابنا الأزلي مخلوع الضلفتين .. – الليلة أغادر أطلب منك الصفح .. أبرأ ذمتي .. يدك لم تمل من التلويح بالمنديل الورقي، نظرات لم تتعب من التحديق الطويل نحو مديات ألوان مزخرفة .. * الساعة الليل دثار الرغبة، ما تحمله الفكرة هو أن تكوني بين ذراعي الساعة، أنصت لدقات الساعة .. تك .. تك .. تك .. ما بين الدقيقة والأخرى عالم يحلق في سماوات لا قرار لها، إسمك يتردد في هدوء الصمت، البارحة أيقظتني سيدة المنزل لتقول أراك قلق في نومك.. ربما أحلامك مزعجة .. لم أجد ما أجيبها به .. لأن طيفك كان يجسد وعياً مبهماً في تجاويف السكوت، ربما لو أفصحت لها عن حقيقة ما أعانيه لاعتبرته خيانة، ترى من يمسك خيط الوفاء .. ؟!. الشارع المستدير نحو الأجمة التي عبرناها معاً قبل أسبوع يكتظ الآن بالمتظاهرين .. اللافتات تطالب بحقوق مفقودة .. أنا وأنتِ نفتقد أبسط مقومات التظاهر لأن حضورنا اللافت جريمة لا تغتفر، لا أحد يفكر بالحب في وطن فقد مقومات التواصل عبر هامش حياتي لا يعير أهمية سوى للكراهية والعنف، ما زال ضجيج المحتجين يملء الفضاء، خوفكِ الغريزي جعلنا نبتعد عن المكان، إرتعاشة شفتيك تفضح، اصطكاك أسنانك لتخرج كلماتك مبهمة، لنبتعد من هنا، لنغادر بسرعة العيون ترصدنا والأكف تلوح بغضب، لا ندري هل هم يريدون تحقيق مطالبهم، أم هناك من يريد وأد الحب في صدورنا .. تعال .. أرجوك لا تقترب منهم .. الشوارع الخالية تنادينا .. لا أحد فيها يحمل لنا ضغينة .. هناك قرب إشارة المرور عربات تحمل المصابين من هذا التجمع المتضارب، لا ندري من يحارب من ؟ الكل يصرخ بغضب، ونحن بينهم بذرة لم يحن وقت قطافاها، لذا أخاف أن تدوسنا الأقدام .. * فقاعة التفاصيل الصغيرة تترك انطباعا عميقا .. أتذكر الصمت الذي انتابنا حين عمت المدينة فوضى الأحداث ..رائحة البخور التي علقت بملابسنا تحوي سحب الأمل ..من الصعب تحديد الطقس الذي مارسته مشاهد الصور الشخصية .. ليس من الضروري جلب التكنولوجيا نحو شباك البصيرة النافذة ..لأن اللقطات تقترب من النظر إلى فقاعة العقل .. زوايا المزار المقدس تشارك معنا مظاهر الاحتفال بقدوم المناسبة الحزينة بلا توقف .. يقولون قبل ربع قرن انهارت نظم كثيرة .. تقدح شرارة الذكريات ..لما خرجت من المعسكر المقيت حتى ابتعد عن أهواله .. كنت تنبضين في خاصرتي .. شعور مطلق .. عرفت حينها لا يمكن تعويض الألم .. والأضرار النفسية .. بسبب فقدانكِ عند حاجز حضيرة الإعدام .. * سائر إلى الزوال سائر إلى الزوال بلا مئذنة؟، بعد أن تجاوز النخلة السادسة فكر بالجلوس تحت أعذاقها الذابلة يدور داخله حوارلا يتوقف .. تحت أي سقف سيحين موعد الزوال؟، الجوامع لاتفقه الوقت لأنها أبنية من حجر، لكن المؤذن يداري جمرة المواقيت لأنها جزء من عمله، العام الفائت كان في العمرة والسنة يزحف على ركبتيه، لم تكن اعذاق نخلاته ترمي رطبا، عانى من الخشف الذي ترك النضوج وبقى معلقا على رأس نخلاته .. لكنها تبقى سامقة تلاعب سعفاتها الشمس، ما بين نخلاته والمئذنة صلة روحية تتعلق بظلهما الذي يتوارى عند الزوال فيتهجد بماء الوضوء ليحسب نفسه علامة مضيئة في مواعيد الصلاة ..كتب البارحة قصة عشق غير مألوفة تحصل بين جريد السعف ولبنة بناء المسجد كلاهما يوازي الشمس كأنها بوصلة تحدد مسار الأشياء… يكتظ في مجرى النهار، ألق الاستغفار، وينعت البقية بالفجور، لكن الضياء يسع الجميع .. .. * كنه الأشياء إدراك كنه الأشياء لا يحتاج إلى كبير معرفة .. الحرارة تعني هناك نارا متقدة .. سحب قدميه اإى الخلف ليصير موقعهما تحت الأريكة الخشبية التي جلس عليها من فترة امتدت ثلاث ساعات، وهو يتمشدق .. بلغة طوباوية، يفسر الأشياء بنمط الثرثرة ليوهم الآخرين أنه يفهم حركة الدوران المطلوبة، صار علامة فارقة في البلاهة، حصل على لقب يغريه .. من يرتزق المواقف يصبح أكذوبة، علامة من السخرية، ادعاء باطل، يزحف على ركبتيه نحو الظل المنحسر .. الجهد الذي بذله يعادل مسير فراسخ، تمتد مابين الرغبة والحلم كلاهما مؤرقان، الليل يوازي الوسادة، النجوم لعبة المحبين، وهو يعكف على رسم خرائط صماء .. يا نخلة الدار الليلة سيوقد شمع الغياب، ستكون أول شمعة للذي يطلي مسامع الجلاس عن خرافة المكوث طويلا على كرسي ممدود وتحته قدميه .. القاعة المزخرفة بصور الرواد تحتسي عرق الغرف المعتمة على موائد السمار .. هاجس يراقب الباب الموارب لعل أحدهم يلتقط له صورة وهو على المنصة .. يفرك صلعته .. ربما سيحين موعد وصول إحدى الفضائيات .. يسمع الكثير .. ربما الجماعة يرشدوه إلى توأمان فقدا بوصلة الطريق .. الإخفاق يحجب الرؤية، لم يتعلم من طريق المرآة، كيف تنعكس الصورة فصار يتخبط في الحجرة المنزوية عند نهاية الدرج … * مجرد مواء حينما تلقي بعض فضلات طعامك إلى القط الذي يموء عند الباب، يحسبه وجبة كاملة قدمت له، عندك يكون الأمر مجرد فتات، هذا هو الفرق في الشعور الجارح لكونه عنصرا من اللامبالاة ..يأتي الضوء منسابا عند آخر نقطة في الجدار المطلي بلون بصلي ليستلقي على خاصرة الأريكة المقابلة للباب الموارب دائما ..سمح لأصابعه أن تلامس شعرها الطويل، همس لها، أتعلمين كم أحتاج من الوقت حتى أكتشف أنك حقيقة أواجهها .. ما بين الجدار والباب ثمة أمل ينبض، يحرك مواء القطط التي ما انفكت ترصد طعامنا، لذا احتجت أن أقول لك سيدتي عالمنا يتوزع بين الفتات والشعور بالجوع، ولكِ أن تتصوري حجم هذا الفراغ المتشعب يغزو فراشنا أبوابنا الصدئة أرصفتنا المغلقة بأحكام من رجال يتمظهرون بالتدين .. لا تكشفي سرنا، فمراد القوم ذبح أحلامنا العتيقة في النفاذ نحو بصيص الضوء .. * حشد الأكرمين تحلم كما الأشجار بالظل .. لا الشمس تغطي سفح أغصان مودتك .. ولا الأيكة التي احتميت بها حملت وجعك السري ..أيها القادم من رحم العتمة .. أتتك خيول الفجر .. تنبئ سنابك روحك بالرحيل .. تعجل ريثما يدور قرص البدر في ساحة السماء .. ودع زادك في خوابيه .. فالسفر طويل ..هناك تدور الرحى تنتظر مجيئك، عنفوانك، لتزحف الروابي نحو وجهتك وتصرخ : من الآتي مع الحشد الجميل .. سليل الغضب أما آن لثمرك أن يينع .. لتزف البشرى للجميع .. الخواصر التي أرهقها الانتظار تحكي معاناة النهر حين حلً اليباب .. وجوه ليست من وجوه أهلنا .. استباحت شرف النخيل .. أيا ابن الصمصام لا تفطر في شفق الغروب .. فزادك في خوابيه ينتظر أن تلَم الشمل لينضج في القدور ..أنت من يرد الصاع صاعين لأبن الزنا .. أنت من نسل الفقار ولدت .. وأنت ابن حشد الأكرمين .. * سبايكر تشرق الشمس كل يوم في بلادي، ومائدة الفرح محجوبة عن الفقراء، اكتظاظ الظن، علامة من علامات الانحسار، هناك حيث أبناء الإمام علي يبثون الرجاء، دماء تراق وأرواح تزهق .. علَّ احمرار الشفق يندب ماء دجلة حين خضبه أنين شباب (سبايكر ).. بلا وداع مضت الجموع، بلا أكفان تلقتهم الأرض، ليس سوى نبرة عيد يتكرر يصدح من مآذن الدغارة، الله أكبر، وعلى وهج طريق الشامية ينزف الشل، وتتوجع الأمهات .. الله أكبر .. عند حافة النهر صُبغت المساءات بلون الحناء، حيث كان ينتظر ولدي هلال زفافه عند موعد أجازته، قبل أن يلتحق بمقر عمله قال: لن أتأخر هذه المرة، لقد طال أمد خطوبتي واشتقت لعروستي .. كنت أحلم أن أرى نسله، أن يكون لي حفيد من صلبه، أشتري له الحلوى والهدايا .. شوق أمه يمتد حتى نخلة الدار، حيث تضع ألان شموع وداعه وهي تبكي بصمت ، وتردد بصوت موجوع ردتك ما ردت دنيا ولامال .. ردتك تعدل حملي لو مال : .. دموعنا لا تكفي .. وحزننا سرمد .. يناغي السعفات المائلة .. تحت لهيب شوقنا المفزوع من لهجة الوداع .. أواسد الدكة التي جلس عليها .. آخر مرة قبل أن يودعنا .. أشم عطر أنفاسه .. بُني تعال .. لم أعد أطيق فراقك .. ما زالت عروسك تطلي راحتيها بالحناء .. وغرفتك التي جهزناها .. تحتفظ بعبقك .. ما زال السرير حيث وضعته بعيداً عن الشباك بالقرب من جهاز التبريد .. ولقد طلينا الباب بلون زهري .. أعرف جيداً كم تحب هذا اللون ..أخاف البكاء بصوت مسموع .. حتى لا تسمع أمك نشيجي وتبقى الليل بطوله تنتظر عودتك البارحة زرعت والدتك .. نبتة من زهرة تحمل ورود حمراء .. قالت : حينما يعود سيفرح لرؤيتها .. لم يعد باب غرفتك يئز .. فقد دهنته .. يمكنك أن ترى ذلك بنفسك .. تعال ستجدنا نشعل البخور كل ليلة حتى ندفع عنك الحسد .. طقطقة الحرمل تفزع الجن .. تعودنا على ذلك مُذ كنا صغاراً .. القمر في المحاق غداً سيظهر الهلال .. لذا سابقي باب الدار مفتوحة .. أنتظرك ولدي هلال .. فلا تغيب .. تدل على نهض من فراشه .. أشعة الشمس تصل أسفل المغسلة في المطبخ، حرك عضلاته .. ليعيد نشاطه .. على يمين الحوش وضعت الكراسي البيضاء .. كأنما تنتظر ضيوفا مقبلين .. أو موعدا سيحين بعد قليل .. أصوات أطفال يلهون في الزقاق .. دفع رتاج الباب .. شاهد جارهم يدفع القمامة أمام بابه .. بمكنسته الطويلة صباح الخير .. جاري الجميل آسف لم أقصد وضعها قبالة داركم لا عليك عزيزي تطلع نحو اليسار .. ثمة بعرات قرب فتحة المجرى الرئيس .. خمن إنها لكبش لم ير حيوانا .. لكنه رأى أثره .. قد يكون أحدهم قد وفى نذرا برقبته .. الصغار سعداء .. الرجال لبسوا ثيابا جديدة .. واحدهم يحمل لحما في إناء معدني .. حقا إنها مناسبة سعيدة ان يتغير الناس بهذه السرعة .. حياه رجال الحي بأذرعهم المرفوعة في الهواء .. أسعد الله أيامك .. ألا تذهب إلى الجامع ؟ ما المناسبة ؟ نصلي صلاة العيد .. فكر طويلا القمامة مازالت في مكانها .. رأى البعرة ولم ير الكبش. . . بقي شيئا واحدا لم يفهمه .. ألم يوزعوا لحم الأضحية .. أغلق الباب وعاد إلى سريره لينام .. الصمون دفع الستارة المغلقة .. دخل الضوء الحجرة المعتمة هل أجلب الصمون؟ نعم .. أخرج النقود من جيب سترته المعلق على مسمار تحت الساعة الجدارية .. تشير عقاربها أن الوقت العاشرة صباحا .. لقد تأخرت في النوم .. تحدث مع نفسه .. فرك رأسه الأصلع ماضيا نحو الفرن .. الزقاق شبه فارغ . . صادفته امرأة تسير مع طفلتها تحاشى النظر إليها. . يكره التحديق في الوجوه عندما يخرج من المنزل .. مخبز الصمون مزدحم .. بأطفال صغار دون العاشرة من عمرهم .. وقفوا ينظرون الى الفران باهتمام .. متى يصلني الدور حتى أحصل على الصمون ..؟، ظل يفكر بطريقة يتخلص بها من الانتظار .. الكل يتابع عامل المخبز كيف يؤدي عمله خارج المكان .. في الجانب المقابل قطتان تحتميان تحت ظل شجرة .. فجأة دب الخلاف بينهما .. تصاعد صوت موائهما .. انتفض الأطفال نحوهما فرغ المخبز .. تقدم نحو العامل ..استلم كيس الصمون ومضى .. فيما بقي الصغار يتابعون عراك القطط ..