بقلم: جمال بدومة/ المغرب في العاشرة مساء. يتسلل إلى غرفتي شبح شرير وينام على سريري. أقفز مذعورا وأتخبّأ خلف الستائر. أرتعش وأبقى متيقّظا طوال الليل. يؤلمني الضوء وأكتشف أنني صعدت إلى السماء ثمّ رجعْت. أكتشف أنّني ميّت يحمل زهرة ويضحك. يتفسّخ وجهي ولا تذبل الوردة الحمراء. أجلس على الهواء ولا أفكّر: من جعل الأبدية رديئة هكذا؟ يأتي موتى طيّبون. يجرّون خلفهم أعمارا من دخان. كما يجرّ ريّاضيّ مستهتر شاحنة ثقيلة. ماذا يفعل هذا السرب من الأرواح عندي؟ يدْخلون من الجدران ويتعذّبون. ينْظرون نحوي وأسألهم عن أصدقائي وعائلتي. عن زهرة. عن مستقبلي الذي يسيل منه الدم. وهم يحدّثونني عن أشياء سوف تتحقّق في الماضي. أصدّقهم. كما لو كانوا ضيوفا جاؤوا من قرية بعيدة. تعبوا من الشمس والنسيان. أدخّن سيكارا ولا أهتم. أدخل إلى المرحاض وأجد شخصا آخر يبول مكاني. لا أجد المرحاض وأكتشف أنني بلا مثانة. الضيوف يجلسون على الهواء. يؤلمون ظهر المشيئة. يتحدثون كما لو أننا جميعا على قيد الحياة. أعدّ لهم قهوة. أدسّ فيها حبّات سمّ كي يعودوا من الموت. أفرّق الحلوى على الستائر. عوض أن يعودوا، يذوبون مع قرص الشمس الذي يكبر. يذهبون ويتركونني أتفسّخ وحدي. يؤلمني الضوء وتؤلمني التحايا التي تركوا خلف الباب وهم يغادرون. أتحسر على الهواء الذي لم يأخذوا معهم: بلا هواء سيموتون أكثر. أختنق بدلا منهم. أمشي على بطني مثل دودة قزّ. ولا أصل. في الليل يأتي الشبح ذاته. وفي الصباح الموالي أنهض شخصا آخر. أتحدث الإنجليزية وأشتم العرب. في اليوم الثالث ألبس جلد ثور. ومن فمي تتدلى حلقة حديد. تؤلمني الأنهار وأصوات الكوالا. أتسلّق سلالم الحضارة. أسقط ولا أنهض. تأتي البشرية وتتفرّق. وأنا نائم كما في ربيع طويل وأنتظرك. لم تكوني معهم. ولم تكوني في الأغنية. لم نلتق في مصعد الأبدية. نسيتِ النجوم في بيتك ولم تندمي. لم تقبّليني في فمي. كي أفيق ويتكسر الحجر الذي يغطي وجهي القديم. لم تردّدي الكلمات السحرية أمام باب الكهف. فتّشت عنك في المستقبل وفي الماضي ولم تكوني. اخترت طريق الظهيرة. ووصلت للحبّ ليلا: هل جئتِ كي ترتّبي السماوات السبْع وترجعين؟ الأرواح الشريرة تأكل حبّات حزن كيْ تنسى الليل. وأنا خلف الستائر. نامت البيوت والنجوم التي نسيتِ في بيتك البعيد تؤلمني. الموْتى مازالوا يفتّشون عن أرواحهم في الغابة. يهيمون على وجوههم ويشتمون الضباب. يسيل من أجسادهم دم وحنين.