اعتبر الباحث الجزائري في الإعلام والاتصال، البروفيسور عزي عبد الرحمان ، "صاحب نظرية الحتمية القيمية في الإعلام"، أن البحث العلمي الموجه خصيصا في حقل العلوم الاجتماعية لتدارس مواضيع الإعلام الجديد وظواهر مستجدة في الحياة الإعلامية والاتصالية، يشكل إحدى المرتكزات المهمة لترقية دور الإعلام بوسائله المتعددة في المجتمع، وعلى القائمين على إدارة المؤسسات الإعلامية التدبر فيما تعرضه بحوث ودراسات أكاديمية من نتائج ومعطيات مهمة قد تسمح في حال استغلالها من قبل الهيئات الوصية الحكومية بتحسين الأداء الإعلامي وجعله أكثر احترافية ومهنية. ونوّه الباحث والمفكر الإعلامي، عميد كلية الشارقة بدولة الإمارات، بتجربة عمل عريقة أسس لها مخبر الإعلام والاتصال لجامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم، الذي نظم على مدار أربع سنوات كاملة ملتقيات دولية حول الإعلام والمنظومة القيمية. *كباحث مهتم بقضايا الإعلام.. كيف ترون واقع الإعلام العربي والمحلي على ضوء التطور الحاصل في الوسائل والمضامين؟ أشكركم في البداية على هذه الالتفاتة الإعلامية لجريدتكم المحترمة. بالنسبة لسؤالكم المهم الذي تبحثون من خلاله عن واقع الإعلام العربي والمحلي على ضوء ماهو مستجد في الحياة الإعلامية التي تتسع الآن لوسائل ووسائط إعلامية واتصالية عديدة، فإن هذا الواقع الإعلامي في حقيقة الأمر لا يمكن قياس أحواله وأوضاعه بمعزل عن السياقات الاجتماعية والسياسية التي نمى فيها كل إعلام في بلد من بلدان العالم العربي، ودعوني أقول إن لكل سياق ينمو فيه الإعلام بشتى وسائله خصوصية وميزات، وهذه الخصوصيات الاجتماعية والثقافية والسياسية يجب الارتكاز عليها في البحث العلمي المتصل بالإعلام والاتصال لتدارس أوضاع إعلامنا العربي بشكل دقيق، وبشكل عام فالحركية التي يعرفها الإعلام الجديد مثلا في الكثير من بلدان العالم تشير إلى بروز مستجد مهم في ميدان الإعلام الذي لم يعد يستدعي وسائله التقليدية وأصبح أكثر انفتاحا على الميديا الجديدة، ومسألة ضبطه وتحديد ملامح هذا التغير الإعلامي تجعلنا نعتبر أن الإعلام العربي في موقع المتأثر بهذه الحالة الإعلامية الجديدة ولها ما لها من تبعات على تعرض الجمهور لوسائل الصحافة التقليدية وقدرة المؤسسات الرسمية على مخاطبة الرأي العام من منابر اعتاد عليها الناس، لذا فنحن نرى أن الواقع الإعلامي يتيم الآن بمظاهر تقنية تؤسس لها ما تشهده الوسائل الإعلامية من تغيرات جذرية ومظاهر أخرى يتقدم ويتراجع فيها الأداء الإعلامي لابتعاده نوعا ما عن القيم التي تأسس عليها، والحالة هذه تكاد أن تكون عامة في الكثير من مؤسسات الإعلام، والتحدي الأساسي الذي يواجه الإعلام العربي هو مدى احتفاظه بمكانته وهويته أمام الوافد من موجات إعلامية جديدة لا تعترف إلا بالكفاءة الاتصالية للمؤسسات الإعلامية.
* تثمينا لإسهاماتكم البحثية تم استحداث جائزة للباحثين "كرسي عزي عبد الرحمان للتنظير الإعلامي".. كيف استقبلتم المبادرة؟ في حقيقة الأمر الشكر موصول لهيئة الملتقى الدولي "'الإعلام الجديد ومنظومة القيم " على هذه الالتفاتة والبادرة الحسنة التي أسس لها مخبر الاتصال والإعلام لجامعة مستغانم، الذي يشرف عليه صديقي العزيز الدكتور الباحث العربي بوعمامة، الذي أعتقد انه أعطى الكثير للإعلام والاتصال بالجزائر، ولا أجامل أداء الزميل لأقول أن نشاطه في حقل الإعلام قد أعطى لنا نفسا كباحثين لتقديم إسهاماتنا وبحوثنا للطلبة والمهتمين بالجامعة الجزائرية، لذا كنت سعيدا ولا زلت، باستحداث جائزة للتنظير الإعلامي القيمي، تقوم برعايتها جامعة جزائرية وهيئة بحثية ممثلة في مخبر الإعلام والاتصال، وقد كان مدير جامعة مستغانم المحترم داعما لهذا التقليد الرمزي والقوي في دلالته، واعتبره بمثابة حافز للباحثين الشباب العاملين في دراسات الإعلام والاتصال. وقد كانت في الحقيقة أشغال الملتقى، من خلال هذا التقليد وما حضر فيه من مداخلات مهمة أثرت النقاش حول موضوع القيم في الممارسات الإعلامية، بمثابة فرصة سانحة لكل الباحثين من الجامعات العربية للتعارف وتبادل الخبرات فيما بينهم، وهذا هو المطلوب من قبل الباحثين في الإعلام والاتصال، الذين أعتقد أن تكتلهم في مشروع إعلامي هادف واستشرافي أضحى أولوية مهمة.
*كيف يمكن الارتكاز على نظرية "الحتمية القيمية في الإعلام "لتوظيفها في الممارسات الإعلامية على أرض الواقع؟ أعتقد أن نظرية الحتمية القيمية، والتي أحيلكم إلى الأفكار والتصورات المحددة لإطارها النظري والمنهجي بالارتكاز بطبيعة الحال على معطى الإعلام القيمي، يمكن الاشتغال عليها في بيئة إعلامنا العربي الذي أشرت في السابق أنه يملك خصوصية وميزة، لذا فالحتمية التي تؤسس لها القيم في العمل الإعلامي يمكن الارتكاز عليها أولا في الأداء الإعلامي الذي يجب أن نعترف أنه يفتقد في الكثير من الجوانب لمؤشرات ضابطة للعمل الإعلامي، ومسألة تجسيد مقاربة النظرية، التي تدعو إلى إعلام في دائرة القيم السوسيو اتصالية، يحتاج لجهد آخر يبذل في الحقيقة الآن من خلال تنظيم سلسلة من الملتقيات الدولية بالجامعة، ولكن يجب في المقابل تأسيس نوع من الشراكة بين المؤسسات البحثية في حقل الإعلام، خاصة تلك المهتمة بطرح الحتمية القيمية والمؤسسات الإعلامية، وهذا كفيل في الحقيقة بجعل النظرية أكثر تواجدا على ساحة العمل الإعلامي، وهو ما نشتغل عليه بمعية عدد من الأساتذة الباحثين في حقل الإعلام والاتصال بالجزائر وبعض الجامعات العربية. *حاوره محمد مرواني