بقلم:د. علي الصلابي الحلقة الثالثة إنَّ الإيمان بالقدر لا يعارض الأخذ بالأسباب المشروعة، بل الأسباب مقدَّرة أيضاً كالمسببات، فمن زعم أن الله تعالى قدّر النتائج والمسببات من غير مقدماتها وأسبابها، فقد ذهل عن حقيقة القدر، وأعظم على الله الفرية، فالأسباب مقدّرة كالمسببات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الرّقي، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ قال: هي من قدر الله، وحياةُ الرسول ﷺوأصحابُه كانت قائمةً على الأخذ بالأسباب وسيرته تشهد بأنَّه كان يتخذ كل الوسائل والتدابير وأسباب العمل. ولقد شغل الناسَ في هذا الزمان ما أصابهم من هذا الوباء المسمى بفيروس كورونا وهو بقدر الله، والأخذُ بالأسباب – التي هي من قدر الله-محتَّمٌ في ظل هذا الوباء، كما أنَّ سيِّد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، وهو إمام المتوكلين كان يأخذ الأسباب، وما غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم إلا مظهر من مظاهر إرادته العليا في الأخذ بالأسباب، التي تجري حسب مشيئة الله وقدره، فقد أخذ الحذر وأعد الجيوش وبعث الطلائع والعيون وظاهر بين درعين، ولبس المغفر على رأسه، وأقعد الرماة على فم الشعب، وخندقَ حول المدينة، وأذنَ في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة وهاجر بنفسه واتخذ أسباب الحيطة في هجرته، أعد الرواحل التي يمتطيها والدليلَ الذي يصحبه، واختبأ في الغار وكان إذا سافر في جهاد أو عمرة حمل الزاد والمزاد وهو سيد المتوكلين. القول بالتنافي بين التوكل والأخذ بالأسباب جهل بالدين: إن القول بالتنافي بين التوكل والأخذ بالأسباب جهل بالدين، وهذا من قلة العلم بسنة الله في خلقه وأمره، فإن الله تعالى خلق المخلوقات بأسباب، وشرع للعباد أسباباً ينالون بها مغفرته ورحمته وثوابه في الدنيا والآخرة، فمن ظن أنه بمجرد توكله مع تركه ما أمره الله به من الأسباب يحصل مطلوبه، وأن المطالب لا تتوقف على الأسباب التي جعلها الله أسباباً لها. الحلقلة الثالثة يتبع