بقلم:د. علي الصلابي 1 -إنكار قانون السببية يؤدي إلى إبطال حقائق العلوم: لقد ثبت بنص القرآن أن الأسباب الشرعية هي محل حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهي في اقتضائها لمسسبّباتها قدراً، فهذا شرع الرب وذلك قدره، وهما خلقه وأمره، والله له الخلق والأمر، ولا تبديل لخلق الله، ولا تغيير لحكمه، فكما لا يخالف سبحانه بالأسباب القدرية أحكامها، بل يجريها على أسبابها وما خُلقت له، فهكذا الأسباب الشرعية لا يخرجها عن سببها وما شُرعت له، بل هذه سنته شرعاً وأمراً، وتلك سنته قضاء وقدراً، وسنته القدرية, قال تعالى: “فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا”- (فاطر: 43). فالمسببات مرتبطة بأسبابها شرعاً وقدراً، ولذلك فطلبها من غير أسبابها مذموم، كما أن إنكار الأسباب لأن تكون موصلة لها بأنها أمر مردود، بل إنَّ النتائج المترتبة على إنكار قانون النسبية كافية لهدم حقائق العلوم كلها، فإن العلوم جميعها تستند إلى هذا القانون. ونفي الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، وهو طعن في الشرع أيضاً, فالله تعالى يقول: “وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا”- (البقرة: 164). وقال تعالى: “يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ” -(المائدة: 16). والمؤمن يأخذ بالأسباب لأنه مأمور بالأخذ بها والله هو الذي يُقدّر آثارها ونتائجها، والاطمئنان إلى رحمة الله وعدله وإلى حكمته وعلمه هو وحده الملاذ الأمين، والنجاة من الوسواس والهواجس “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”. أدرك الصحابة، رضوان الله عليهم، هذا المعنى، وفهموا أن الإيمان بالقدر لا يعني ترك الأخذ بالأسباب، ولهذا أدرك الصحابة، رضوان الله عليهم هذا المعنى، وفهموا أن الإيمان بالقدر لا يعني ترك الأخذ بالأسباب، ولهذا أنكر عمر عن أبي عبيدة، رضي الله عنهما، ربطه الإيمانَ بالقدر بعدم الأخذ بالأسباب، كما ورد في قصة طاعون عمواس الشهير، فحين همَّ عمر بالرجوع إلى المدينة في حدود الشام، قال له أبو عبيدة بن الجراح: أفراراً من قدر الله؟، فدهش عمر لهذا الاعتراض وقال لأبي عبيدة: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة: نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، ثم أردف قائلاً: أرأيت لو كان إبل هبطت وادياً له عدوتان إحداهما خصيبة والأخرى جديبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجديبة رعيتها بقدر الله. فعمر وأبو عبيدة يعلمان أنَّ القدر علم الله السابق بما يحدث، غير أنَّ عمر كان يرى أنَّ قدر الله لا دخل له في موضوع ربط الأسباب بالمسببات، فالذهاب إلى الشام مع وجود الطاعون يتسبب عنه الموت، والرجوع أخذٌ بالأسباب للنجاة من الطاعون، ولهذا أنكر عمر على أبي عبيدة أن يعترض عليه قائلاً له: لو غيرك يا أباعبيدة، ولم يكتف بذلك، بل شرح رأيه بأن الذهاب إلى الشام ذهاب بقدر الله، والرجوع إلى المدينة رجوع بقدر الله، أي بعلم الله، مما يدل على أن القدر لا يصح أن يربط بالإقدام على الأعمال أو الإحجام عنها، ولا يصح أن يترك الأخذ بالأسباب بحجة القدر، كما أنه لا يصح أن يترك الأخذ بالأسباب بما يصيب الناس في هذا الزمان من أوبئة ومنها (كورونا) بحجة القدر. الحلقة 05