جدد سكان قرية ''ولبان العليا'' المتواجدة على بعد 37 كلم من ولاية البويرة والتابعة إقليميا لبلدية ''قادرية''، مطلبهم إلى السلطات المحلية بإعادة النظر في استراتجية توزيع المشاريع التنموية على إقليم دوائر وبلديات الولاية، من أجل تحسين أوضاعهم المزرية التي يتخبطون فيها منذ سنوات، إذ تنعدم أدنى ضروريات الحياة الكريمة بهذا الدوار المعزول، ما جعل السكان يتكبدون معاناة الحرمان والتهميش المفروضة عليهم من طرف السلطات المحلية، وقد أبدى سكان هذه المنطقة استياءهم الكبير من الغياب شبه التام لأدنى شروط الحياة. ولقد اكتشفنا خلال الزيارة الميدانية التي قادتنا إلى هذه المنطقة، أن سكانها يعيشون واقعا مزريا بالنظر إلى الوضعية الكارثية لبيوتهم المبنية من الطين من جهة، وللمسافات الطويلة التي يقطعونها مشيا على الأقدام من أجل قضاء حاجاياتهم الضرورية. السكان يشتكون .. ''معيشتنا لا يتحملها أي بشر'' ولقد أجمع جل الذين التقيناهم أن المعيشة في هذه المنطقة الريفية أثقل من أن يتحملها أي بشر، حيث تزداد وضعيتهم تأزما خلال موسم الشتاء فيواجهون مصاعب جمة في التنقل بسبب اهتراء الطريق الرئيسي وانتشار عدد كبير من البرك المائية، فبمجرد سقوط القليل من الأمطار حتى تتحول الطرقات إلى أوحال فضلا عن تسرب مياه الأمطار إلى داخل غرفهم ما يزيد من برودة المساكن الطينية، مع العلم أن المنطقة تتميز بالبرودة الشديدة. ولانعدام الماء الشروب بهذه القرية النائية وقعه الخاص على السكان، ما يضطر السكان إلى قطع مسافات طويلة من أجل الحصول عليه باستعمال الحمير من مختلف الآبار، إذ تعتبر ''العين الكبيرة'' المكان الوحيد التي يوفر لسكان ''ولبان العليا'' الماء الشروب. وقد أبدى السكان تخوفهم الشديد في حالة ما إذا شحت العين وتوقفت عن السيلان، ما قد يؤدي إلى جفاف حقيقي خاصة بالقرية، خصوصا وأن ''العين الكبيرة'' هي ملجأ جميع العائلات القاطنة ب''ولبان العليا''، وقد أشار السكان إلى أن معاناتهم تزداد حدة خلال فصل الصيف مع ارتفاع درجة الحرارة، مما يؤدي إلى انتشار مختلف الحيوانات الضارة التي تلحق أضرارا بالسكان تصل أحيانا إلى حد الموت، ولم يخف عنا السكان أنهم يتعرضون لمختلف أنواع الأمراض من الحساسية والربو إلى الروماتيزم نتيجة كثرة الغبار والبرودة بالمنطقة في آن واحد. ونتيجة غياب أدنى مرافق الاستشفاء بهذه القرية النائية، يضطر السكان إلى قطع مسافات تقارب ال 17 كلم من أجل أخذ العلاج اللازم، فالمستوصف الوحيد المتواجد بهذه القرية تحول منذ من السنوات إلى إسطبل لإيواء وتربية المواشي، بعدما فر جميع الأطباء منه. الاحتطاب من أجل الطهي .. ''ولبان العليا'' تعيش زمن القرون الوسطى ما يجذب الانتباه حقا بقرية ''ولبان العليا''، أن سكان هذه المنطقة الريفية لا يزالوا يعيشون واقع القرون الوسطى، حيث يقومون بالطهي على النار بجلب حزم من الحطب نتيجة انعدام الغاز الطبيعي، أما الحديث عن أماكن الترفيه فحدث ولا حرج، كونها غائبة تماما عن المنطقة، حتى أن القرية لا تضم سوى مدرسة واحدة للتعليم الابتدائي، الأمر الذي حرم البنات من التعليم وهو بدوره ما أدى إلى انتشار الأمية. ولقد كشف لنا سكان القرية عن غياب مسجد لأداء الصلاة، بعدما اضطر أعوان الجيش الوطني إلى تحويل المسجد الوحيد المتواجد بالقرية إلى ثكنة عسكرية، بهدف توفير الأمن بالمنطقة وحماية سكنها من أيادي الإرهاب، غير أنه حرم السكان من جهة أخرى من المكان المقدس الوحيد لعبادة الله عز وجل وتأدية الصلوات في المناسبات والأعياد. اهتراء الطريق هاجس كبير يؤرق عائلات ''ولبان العليا'' أكد لنا سكان ''ولبان العليا'' أن مشكل الطريق هاجس كبير يؤرقهم، خاصة أن اهتراءه يضطرهم إلى قطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام ليصلوا إلى مكان آخر تنقلهم منه الحافلات إلى مركز البلدية، وتعتبر الطريق بالنسبة لسكان القرية أمرا ذا أهمية قصوى على حد تعبيرهم لذلك جددوا مطلبهم من السلطات المعنية بضرورة صيانة وإعادة تهيئة الطريق الرئيسي. ضف إلى ذلك انعدام وسائل النقل بهذه المنطقة الريفية، مما يجبر العديد من المواطنين على التغيب عن عملهم ودراستهم مؤكدين أن أغلبهم يعدون من ذوي الدخل المحدود، وأن رواتبهم التي يتلقونها بالكاد تكفيهم، ويشير أرباب العائلات متعددة الأفراد إلى أنهم يجدون صعوبة في التنقل أيام الدراسة بسبب التلاميذ الذين يتسارعون في الوصول إلى مقاعد الدراسة قبل الساعة الثامنة صباحا رغم توفر حافلة خاصة بالمتمدرسين، غير أن هذه الأخيرة مخصصة لفئة معينة فقط من المتمدرسين ووقت تنقلها يكون في الفترة الصباحية والمسائية فحسب، مبدين عدم قدرتهم على انتظارها لمدة طويلة ومطالبين بضرورة توفير عدد كاف من حافلات النقل المدرسي التي بإمكانها ضمان حماية أوفر لأطفالهم. وقد أوضحت ذات العائلات أنها رفعت أكثر من مرة شكاوى لدى الجهات المختصة غير أن رئيس البلدية وعدهم بتسوية وضعيتهم ولكنهم لا زالوا على نفس الحال منذ زمن بعيد. هذا الوضع الذي أثار غضب واستياء السكان الذين صرحوا لنا بلهجة قوية، أنهم فقدوا كل ثقتهم في المسؤولين المحليين، وأبدوا تخوفهم الشديد من إمكانية عدم تسوية وضعيتهم وإنقاذ أطفالهم من جحيم هذه المعاناة، وتوفير ظروف معيشية لائقة تحفظ كرامتهم وصحتهم على حد السواء وكذا التقليل من حالة الخوف والقلق التي تنتابهم. ونقائص بالجملة بمنطقة ''بقاص''هي الأخرى أكملنا جولتنا هته المرة باتجاه منطقة ''بقاص'' التي تبعد عن بلدية ''قادرية'' بحوالي 14 كلم حيث كشف لنا سكان هذه المنطقة الريفية أن المنطقة تشكو من العديد من النقائص، لا تكاد حسبهم تختلف كثيرا عن قرية '' ولبان العليا'' سواء تعلق الأمر بهاجس النقل أو مشكل الماء .وقد أبدى سكان منطقة ''بقاص'' تخوفهم الشديد على مستقبل أولادهم لعدم توفر أماكن للدراسة، مؤكدين وجود قاعة واحدة يتداول عليها جميع التلاميذ، ما اضطر السكان إلى إرسال أولادهم رغم صغر سنهم إلى مدارس بعيدة عن حيهم، أما المقبلون على أقسام محو الأمية فقد صرحوا لنا عن مدى رغبتهم في التعلم غير أن الواقع المر الذي يعيشونه وعدم توفر مكان خاص بهم يلجأون إليه لتلقي التعليم اللازم جعلهم يتخلون عن الفكرة. رئيس بلدية ''قادرية'' لم ينف الواقع المزري للسكان ''ولبان العليا'' على قائمة مشاريعنا المستقبلية العاجلة من جهتنا وحتى نستمع لآراء الطرفين، تنقلنا إلى رئيس بلدية '' قادرية'' ، وقد صرح لنا صالح صبايحي أنه قد تم تخصيص مشروع تنموي هام يتوقع أن يمس منطقة ''ولبان العليا'' بالدرجة الأولى، في إطار المشاريع المستقبلية التي ستشرع البلدية في إنجازها، بكل من ''ولبان العليا'' و''بقاص'' و''كرفالة '' و''بني فودا''، مؤكدا أن المشروع التنموي سيتضمن صيانة الطريق، مشيرا المسؤول ذاته أن الطريق تعد فعلا بمثابة المشكل الحقيقي وهي بحاجة ضرورية إلى إعادة النظر فيها وفي هذا الصدد تم تجهيز حوالي 30 مليون دينار من أجل التكفل بمنطقة ''ولبان العليا'' في الوقت القريب العاجل. وقد تم حسبه تخصيص لسكان ''عين ولبان'' مكتب دراسات خاص لمعاينة 93 قطعة أرضية من مجموع 150 لإنشاء مشاريع على مستواها، كما تم توجيه لسكان المنطقة حوالي 100 إعانة من البناء الريفي ويوجد الآن حوالي 150 ملف مهيأ، حيث ستبدأ عملية التهيئة سريعا بالمنطقة، كما وعد المسؤول نفسه بحل مشكلة غياب الماء، إلى جانب توفير أماكن للترفيه والتسلية. وأكد رئيس البلدية أن منطقة ''ولبان العليا'' يتوقع أن تكون مثالا حيا للتنمية على المستوى الولائي، وهذا ما يتوقف على مدى تعاون سكان المنطقة مع السلطات المحلية، كاشفا عن توفر البلدية على حافلة واحدة لنقل تلاميذ منطقة ''ولبان العليا'' وحدها، نافيا في الوقت ذاته وجود أية مشاكل بخصوص هذه الحافلة. أما بالنسبة لقضية المسجد فقد حمل رئيس البلدية المسؤولية لسكان المنطقة، كونهم لم يطالبوا من قبل باسترجاع المسجد الوحيد، مشيرا إلى أن الجيش الوطني الشعبي الذي استحوذ على المكان من أجل توفير الأمن وحماية المواطنين، ما كان ليبقى هناك لولا تقاعس السكان في المطالبة بحقهم.