شهدت حركة النشر بالجزائر انتعاشا مميزا في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث تضاعف عدد دور النشر المحلية بشكل قياسي منذ سنة 2007 بعدما حظي القطاع بدعم خاص من الدولة. دعم ساهم في بعث النشر بعد سنوات من الركود، غير أن هذا الانتعاش في حركة النشر وجد من يبارك له ولادته من قبل بعض الناشرين الجزائريين، فيما أنكره آخرون بحجة تراجع صناعة الكتاب ببلادنا بسبب غياب شبكة التوزيع وتراجع مستوى القدرة الشرائية عند القارئ الجزائري. التوزيع نقطة سوداء في حركة النشر الجزائري رغم تحسن نوعية طبع الكتاب مقارنة بالسنوات الماضية، إلا أن النقطة السوداء التي لا زالت تعيق تطور صناعة الكتاب في الجزائر تتمثل أساسا، وبشكل أكبر، في التوزيع الذي قال عنه السيد بلحي محمد، مدير النشر على مستوى المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع في حديث خص به ''الحوار''، إنه لا توجد في الجزائر شبكة توزيع من شأنها تغطية حاجات كل ولايات الوطن. وأشار بلحي إلى نقطتين أساسيتين اعتبرهما أكبر معضلتين تعيقان تطور وانتعاش صناعة الكتاب في الجزائر يتعلق الأمر بقلة عدد المكتبات المتخصصة في عرض وبيع الكتب، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري بسبب ضعف الدينار، مما جعل الكتاب منتوجا غاليا بالنسبة للكثيرين. وأفاد بلحي أن مؤسسة ''أناب'' التي تعد المؤسسة الوطنية الوحيدة العاملة في مجال صناعة الكتاب خلقت لنفسها فضاء خاصا للتوزيع عن ''طريق مكتبتين بالعاصمة في ظل افتقادها لمكتبات خاصة تكاد تراجع عددها بشكل كبير واستبدلت بفضاءات الانترنت والوجبات السريعة''. وهو ما ربطه الناشرون بتقليص عدد نسخ العناوين التي بتم نشرها سنويا والتي لا تتجاوز ال 1500 نسخة فقط، في حين نجد أن عدد النسخ في الدول المتقدمة تصل إلى مليون نسخة للكتاب الواحد في بعض الأحيان. وهو ما يعتبر من كوابح تطوير صناعة الكتاب في الجزائر. ارتفاع عدد الناشرين الجزائريين ليس إلا رقما في غياب الاحترافية وفقا للإحصاءات التي تحصلنا عليها من طرف نقابة الناشرين الجزائريين والخاصة بعدد الناشرين الجزائريين على مستوى الجزائر والذين لا يتجاوز عددهم ال 200 ناشر في 2008 بينما كان لا يتجاوز عددهم 40 ناشرا، قبل هذه السنة. وهورقم يعكس - نظريا - انتعاش سوق الكتاب في الجزائر خاصة مع بداية التفات الدولة لهذا الميدان. غير أن العديد من ممثلي دور النشر على غرار ممثل مؤسسة أناب أنكر هذا الرقم الكبير، مؤكدا أنه ليس كل من يملك سجلا تجاريا يمكن أن يعتبر نفسه ناشرا لأن الأمر لا يقتصر على التجارة في هذا المجال وإنما يتعلق، حسبه، بصناعة منتوج ثقافي يستلزم شروطا وقوانين ومناخا عاما يضمن السير الحسن لحركة النشر في الجزائر. ويؤكد الناشرون الجزائريون الذين استطلعت ''الحوار'' آراءهم بهذه المناسبة أن عدد دور النشر في الجزائر لا يتجاوز العشرة منها دار الغرب ''أناب، الشهاب، البرزخ''، واصفين بقية الناشرين بناشري مناسبات. ويرجع ممثل ''اناب'' الارتفاع القياسي في عدد دور النشر بداية من سنة 2007 إلى الاعتناء الكبير الذي بدأت توليه الدولة للكتاب في الجزائر، حيث وعدت وزارة الثقافة بطباعة أزيد من 1200 كتاب سنة 2007 خلال تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية والتي وزعت مجانا على المكتبات البلدية. مبادرة تم تكريسها ضمن برنامج الدولة إلى غاية سنة 2011 الأمر الذي خلق ديناميكية كبيرة في هذا القطاع بعدما كان يحتضر. وهي الخطوة التي اعتبرها مدير النشر لمؤسسة ''أناب'' خطوة مشجعة تنم عن وعي الدولة بأهمية دعم وتطوير صناعة الكتاب وهو المنتج الثقافي كدعمها لأي منتج صناعي تجاري آخر. غير أن دعم الدولة لهذا القطاع بهذا الشكل أدى إلى اتجاه بعض الناشرين إلى تغليب الطابع التجاري على حساب الجانب الفكري والثقافي للكتاب، حيث لوحظ أن العديد من الناشرين لا يطبعون سوى عدد محدود من النسخ التي لا تتجاوز ال 1500 نسخة والتي تتكفل الوزارة باقتنائها وتوزيعها على المكتبات البلدية، دون تكليف أنفسهم عناء طبع كميات أكبر لتوزيعها على المكتبات الخاصة حتى تكون في متناول القارئ، وهي النقطة التي تحسب ضد مصلحة صناعة الكتاب. دعم وزارة الثقافة التأشيرة الوحيدة بالنسبة للمؤلف الجزائري اشتكى العديد من الكتاب والمؤلفين الجزائريين، خلال اتصالنا بهم، على رأسهم الشاعران عز الدين جلاوجي وسليمان جوادي والكاتب إبراهيم ساعدي من الصعوبات التي تواجههم على مستوى نشر مؤلفاتهم رغم ارتفاع عدد دور النشر المحلية خلال السنوات الأخيرة. ويرى هؤلاء أن الناشرين الجزائريين اصبحوا جد متحفظين في التعامل مع المؤلفين على اساس انهم يسبقون المصلحة الخاصة على العامة، حيث تحظى بعض الروايات والدواوين الشعرية والكتب المتعلقة بالثورة التحريرية التي لا تدعمها وزارة الثقافة بحصة الاسد في النشر والتوزيع بينما تقصى الكتب العلمية على أساس انها مكلفة وغير مربحة. وفي السياق نفسه أثار عدد من المؤلفين ضعف حصتهم من الكتاب التي تتراوح في العادة 20 في المائة في حين لا تتجاوز في الواقع 10 و15 في المئة. معتبرين الأمر إجحافا في حقهم باعتبار المؤلف هو الحلقة الأولى في سلسلة إنتاج الكتاب، الأمر الذي أكده لنا عدد من الناشرين على غرار مدير دار الهدى الذي برر عدم اتجاه النشر إلى الكتب المتخصصة إلى ضعف المقروئية بالنسبة لهذا النوع من الكتب مما يجعل مخازنهم مكدسة بالكتب التي لا تلقى الرواج الكافي لدى القارئ الجزائري ويصعب تسويقها على عكس الكتب شبه المدرسية أو الكتب الدينية والقواميس وكتب الطبخ. ازدهار صناعة الكتاب مرهون بخفض الضرائب وفيما يخص دعم عملية النشر المشترك بين دور النشر الجزائرية والعربية وكذا استيراد الكتب من الخارج، فقد اجمع الناشرون الذين تحدثنا إليهم على ضرورة وأهمية دعم الدولة للكتاب من خلال تخفيض الضرائب والرسوم الجمركية، مما سيؤدي بدون شك إلى انتعاش وازدهار صناعة الكتاب في الجزائر، وهذا ما يساعد على تصدير الكتاب المحلي إلى الخارج. فضلا عن دعم حركة الترجمة التي تعد العمود الفقري في هيكل النشر في أي دولة وكذا تكوين مختصين في النشر خاصة أن الجزائر تعد الأكثر مقروئية للكتاب من بين الكثير من الدول العربية