كيف أصبح العقل البشري مصدر علم ومادة لاكتشافات وابتكارات تكنولوجية وعلمية قلبت وجه العالم وغيرت مصير الإنسانية وذلك في جهة من الكرة الأرضية ..؟ وكيف هو في الجهة الأخرى منها يعيش علاقة مفلسة عقيمة مع الإنسان والحياة ؟.. علاقة غير قابلة ولا مؤهلة لإنتاج التغيير والتطور .. ناعورة التاريخ وحدها تدور وتسجل .. ذاك التاريخ الذي تسطح على مر العصور وأصبح بارعا في تسجيل فوضى مصائرنا وطيش أفكارنا وسياساتنا.. نحن كعرب وكعالم لاعلاقة له بالمعرفة والعلم والتكنولوجية .. نحن على حافة التاريخ المعرفي والعلمي، التاريخ الذي كنا نواته الأولى في عصرما .. وضعنا السوسيو اقتصادي والسيكولوجي ما عاد قادرا على استيعاب قضايانا الحياتية .. في كل يوم يفرض علينا الواقع عقبة جديدة.. يطرح علينا أسئلة عويصة ..أسئلة تتكاثر وأخرى تبلى ولا تجد طريقها إلى الحل .. أسئلة صارت مادتنا المفضلة لتغذية نقاشاتنا واجتماعتنا وكتاباتنا .. وحده الضجيج والفوضى والإرتجال يقود أفكارنا ويوجه مواقفنا.. لماذا يا ترى تجاوزنا ركب الحضارة ، لماذا غفا العقل العربي وأبى أن يستيقظ .المفكر المغربي محمد عابد الجابري له مفهومه الخاص للعقل العربي ، زكاه كثرة من المثقفين العرب وجعلهم ينتشون ويوقنون بأن العرب صار لهم أخيرا عقل ، كأنهم كانوا يشكّون في أن للعرب عقلا .. الفلاسفة يؤكدون أن العقل البشري لا جنسية له .. لا يوجد عقل عربي وعقل أوروبي وعقل أمريكي وإفريقي .. العقل واحد لدى الإنسانية ، مفهوم الجابري الذي يقر بجنسية العقل ثمة من باركه وثمة من فنده واعتبره ليس صحيحا من الوجهة العلمية والمعرفية البحتة ..أما من الناحية الثقافية فيجوز للعقل أن يتبدي في ثقافة معينة .. هذه الثقافة تتخذ فيما بعد تسمية معقولية العقل ..أما العقل فهو مفهوم شائع وعام يشترك فيه كل البشر ، ومن صالحنا نحن كعرب وكأمة لازالت ترزح تحت التخلف بشتى أشكاله أن نعتبر العقل شيئا ثابتا وحياديا أي ألا يجعل من معقوليته حاجزا أمام تعاطيه وتفاعله وتحاوره مع العقل الآخر.. ومن وجهة نظر فلسفية يعتبر العقل مفهوما كونيا موحدا لدى جميع البشر بالخليقة .. أما المعقولية فهي كل ما يلتصق ويعلق بالعقل .. لذا فان العقل العربي مطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يبرهن على انه قادر على التعاطي مع القضايا الإنسانية ومؤهل لمعالجة الراهن الإنساني ..