للحديث عن ظاهرة العنف ضد المرأة الجزائرية، لابد من المرور على الطب الشرعي، لمعرفة الآثار التي يخلفها هذا الأخير، نتيجة المؤشرات التي تعكس درجة الخطورة، ف 20 بالمائة زيادة سنوية يتم تسجيلها في أساليب العنف والطرق المتبعة في إحداثه ضد المرأة، وتشير الأرقام المعلنة إلى التنامي المفرط للعنف في المجتمع الجزائري بمختلف مستوياته. الجولة التي قادتنا إلى مصلحة الطب الشرعي، أزاحت الستار عن كثير من الطابوهات المسكوت عنها في مجتمعنا، فعدد النساء اللاتي كن في المصلحة أو زرنها يوما ما يقدر بالآلاف والجميع وقعن تحت طائلة العنف وتحت طائلة وجبروت رجال لم يتوانوا في استعراض عضلاته أمامهن. وفي هذا الصدد أفادنا الدكتور ايت رابح مصطفى، طبيب شرعي بالمستشفى الجامعي لمصطفى باشا بتصريحه ل''الحوار''، أن مصالح الطبي الشرعي في الجزائر تسجل سنويا زيادة تقدر 20 بالمائة لحالات العنف، ومصلحتهم لوحدها تستقبل يوميا 20 امرأة تعرضت للعنف بشتى أنواعه، معتبرا أن الأرقام في زيادة وتعكس درجة تفشي العنف التي باتت بالغة الخطورة، ومدى تفشيه في المجتمع الجزائري، واصفا إياه بالكارثة. هذا وذكر المتحدث أنه رغم المساعي الحثيثة لوضع حلول للعنف، وبالنظر إلى مصالح الطب الشرعي يوميا، لم يقلل من انتشار العنف ضد المرأة في المجتمع الجزائري، مؤكدا في سياق كلامه أنه كطبيب شرعي يستقبل العشرات من النساء اللواتي تعرّضن للعنف خاصة من طرف أزواجهن، سواء أكانت المرأة متعلمة أو ماكثة في البيت، وأغلب حالات الاعتداء تقع في المنزل العائلي، فالأخت مثلا تتعرض للعنف من طرف احد أفراد العائلة، موضحا أن الحالات تتنوع درجة إصابتها، وتختلف باختلاف الأساليب المستعملة في درجات العنف. ومما زاد من انتشار الظاهرة، حسب ذات المصدر، هو تفضيل الضحايا الصمت، والتكتم عما تعرضن له بسبب الخوف من العواقب كالطرد من المنزل، خاصة أن الإبلاغ عن الحادث يعتبر في نظر الكثيرات منهن، عارا سيلاحقهن من طرف المجتمع الذي يجعل منهن متمردات على العادات والتقاليد. والكثيرات من النساء يؤتى بهن إلى المصلحة عندما تسوء حالاتهن الصحية، وهذا يبين أن ما خفي فعلا كان أعظم لأن أغلب الحالات تكتفي بالصمت. وقد وصلت الكثيرات من النساء إلى المصلحة في حالة يرثى لها، قائلا في نفس الوقت إنه لا يخفى عليكم أن الظاهرة بدأت تكشف معالمها الى الرأي العام، مع تزايد المجهودات المبذولة للتحسيس بالأضرار الناجمة عنها، ما أدى بالمرأة لتغيير موقفها من هذا النوع من العنف الممارس ضدها، فأصبحت تلجأ للطبيب الشرعي لا للمعاينة فحسب، وإنما للحصول على شهادات طبية تؤكد وقوعها ضحية عنف على يد زوجها، شهادات تكون دليلا على صحة أقوالها في حال ما قررت الذهاب بعيدا في الدفاع عن نفسها، باللجوء لمركز الأمن أو العدالة، فهناك بعض النساء الجزائريات أصبحن أكثر وعيا، وأصبحن يلجأن للقضاء عندما يتعرّضن للعنف مقارنة بالسنوات الفارطة، بعدما أصبحت أسوا الحالات المؤسفة تصل المصلحة في الآونة الأخيرة، كحالات القتل وبأبشع الطرق التي تتعرض لها نساء في مقتبل العمر، بسبب الزوج في أغلب الأحيان، وجثث نساء تعرضن للذبح والتنكيل من طرف الزوج بسبب الشك في سلوكهن، كل هذه المعطيات كانت تساهم في السكوت عن تعنيف النساء في بيت الزوجية.