تقف ظاهرة عمالة الأطفال شاهدة على وجود ظواهر اجتماعية ذات أخطار كبيرة ،مثل الفقر و الحرمان و التفكك الأسري و تفشي المخدرات من ناحية و اعتماد الأسرة على اصغر أعضائها سنا لإعالتها دون اعتبار لمصيره أو مستقبله أو حتى احترام لحقوقه كطفل من جهة اخرى. في الوقت الذي يستمتع فيه اقرأنهم بطفولتهم،و يعيشون في ظروف تضمن لهم على الأقل الحد الأدنى من شروط الحياة الصحية و النمو بصورة طبيعية،تجد فئة من الأطفال نفسها مرغمة على البحث عن مصادر الاسترزاق،ما جعلها تطلق مقاعد الدراسة باكرا و ترتبط بعالم الشغل قصد إعالة عائلاتهم بدنانير يسدون بها رمقهم،هم ضحايا لسوء المعيشة أو لسبب الحاجة،تراهم يشقون لتحصيل رزقهم بشرف رغم ازدراء المجتمع و جفائه،تراهم يجوبون قارعة الطرقات و أروقة القطارات لبيع الجرائد و الكاوكاو و المياه المعدنية و غيرها من المأكولات الخفيفة للحصول على قوتهم اليومي،ظاهرة ارتأت "الاتحاد" أن تتوقف عندها،حيث قامت بدردشة مع بعض هؤلاء الأطفال. إسلام..يشقى من اجل إن ينعم إخوته بالتعليم "قرمش كاوكاو قبل ما تتفرمش" هي مقولة كان يرددها الطفل "إسلام" البالغ من العمر 12 سنة،إثناء تواجده في القطار الذي يضمن رحلة تربط بين الثنية و بومرداس،و بيده قفة من الفول السوداني يعرضها للبيع على الركاب ،مقولته أضحكت كل من سمعها من الركاب و علق عليها الكثير،و لكن هدف الحصول على دخل أفضل من الأمس لم ينقص من عزمه بل تقاسم مع القطار رحلته و كله نشاط و حيوية،اقتربت منه "الاتحاد" ،و اشترت منه كيسين من الكاوكاو مغتنمة الفرصة لتسأله عن أسباب تواجده هناك،تردد في بادئ الأمر و قال و هو غاضب:"واش راكو حابين نسرق؟،ما عنديش اللي يخدم عليا"، و بعد إصرار كبير و فضول شديد لمعرفة قصة "إسلام"الذي حولته ظروف الحياة إلى طفل عصبي و غرست فيه قسوة لا تكون عادة إلا في الكبار، صرح ل"الاتحاد" انه أصبح يشعر انه مسئول عن أسرته،بعد أن توقف أبوه عن العمل، و ذكر أن له ثلاثة إخوة يدرسون و لا يريد أن ينسحب إخوته من الدراسة،يريدهم أن يواصلوا و ينجحوا و لو تطلب الأمر إن يعمل ليل نهار من اجل تلبية احتياجاتهم،ما دفعه لذلك يقول أن سبب توقفه عن الدراسة المعاملة السيئة كالتوبيخ الذي كان يتلقاه من قبل بعض الأساتذة فكانوا يفرطون في ضربه لأنه لا يملك الأدوات المدرسية اللازمة لمتابعة دروسه. " أخبار جديدة ،ڤوفريط و سعيدة باردة " و في محطة من محطات القطار صعد"مجيد" البالغ من العمر 14 سنة ،الذي كان يبيع جرائد و مناديل ورق و قارورات مياه معدنية،اغتنمت "الاتحاد" الفرصة مرة أخرى بعد أن اشترت منه جريدة وطنية ،سألته عن الأسباب التي دفعته للخوض في هذا العمل،و بعد محاولات عديدة استطاعت إن تتعرف فقط على انه يحبذ هذا العمل على أن يمد يده للتسول حفاظا على ماء وجهه كما قال أو يقوم بإعمال منافية للمجتمع و الدين. ورشات البناء تمتص عرق الأبرياء و في سياق متصل،استوقف "الاتحاد" منظر مجموعة من الأطفال منهمكين في ورشة بناء،من بينهم "عمر" الذي يبلغ 14 من العمر،صاحب الجسم الهزيل و الثياب الممزقة،قال انه يسترزق من مثل هذه الإعمال الشاقة منذ 6 سنوات كاملة،قصد إعالة عائلته ،فهو يتيم أب و أمه طريحة الفراش منذ أشهر بسبب المرض بعد أن كانت تعيلهم بتنظيف منازل الأثرياء،أشعل "عمر" سيجارة دخان ..تنفس تنفُس الصعداء و انصرف قائلا:"اتركوني لا تذكروني..فلا تجدون شبيها مثلي أينما ذهبتم"،و ليس بعيدا عن "عمر" صرح زملاؤه "محمد" و "كمال" ل"الاتحاد" أنهما يعيشان بهذه الأعمال الشاقة كتبديل بلاط الطرق أو مساعدة البنائين...و لا يبالون بحر الصيف و لا قر الشتاء بسبب الظروف الاجتماعية القاسية لعائلتهما التي أجبرتهما على التخلي عن مقاعد الدراسة دون أن يتعدوا مستوى السادسة ابتدائي،و ذكروا أنهم بدؤوا بأعمال زراعية بسيطة و قاموا أيضا بمساعدة الفلاحين بأجور زهيدة،في حين علق كمال قائلا:"هذه حالة اللي مقراش"،و ألان أصبحوا يتنقلون بين ورشات البناء مقابل 800 دينار في اليوم ما دفعهم إلى الاكتفاء بسندويش (ڤرنطيطة) كوجبة غذاء لهما أمام غلاء المعيشة و ارتفاع الأسعار،إحساس واحد مشترك بينهم هو الندم ثم الندم على أنهم لم يكملوا دراستهم، و تحسروا على أن الظروف المادية و الاجتماعية لم تكن في صالحهم، في وقت استطاع فيه أطفال كثيرون إن ينعموا بمقاعد دراسية و يستمتعون بوقتهم أيام العطل في أحضان العائلة أو اللجوء إلى مقاهي الانترنيت أو الحدائق العامة مع أوليائهم بدلا من نظرات الناس المجحفة في حقهم. و للجانب النفسي أثره على هذه الفئة قالت الأخصائية النفسانية "ركيبة.ف" في اتصال مع "الاتحاد" أسباب إقبال الأطفال إلى القيام بأعمال شاقة عادة ما تكون قساوة حياة و المشاكل الاجتماعية،فلجوئهم إلى العمل أو ما يعرف بالربح السريع نتيجة فقدانهم مراجع أساسية و تصور لهم أن المدرسة لن تضمن لهم مستقبلا مريحا،و هذا ما يدفعهم للبزنسة،فعلى الأولياء أن يحرصوا على توجيه أبنائهم و إعادة تقويم ما يجب أن يتصرفا به حيال سلوك الطفل و يوفروا لهم جميع حقوقهم.