في الوقت الذي يرافق فيه أطفال "المرفهين" أوليائهم لاختيار ألبسة جديدة و ألعاب و أضحية للعيد بكثير من الدلع و إفراط في النفقات عليهم و التي قد تستنزف جيوبهم لكنها لا تساوي شيئا حسبهم أمام غبطة أولادهم و فرحتهم خصوصا مع اقتراب عيد الأضحى المبارك الذي يصنعون منه نكهة خاصة و جو مميز تجد فئة من أبناء الطبقة الكادحة نفسها مرغمة على البحث عن مصادر الاسترزاق فيجدون في المزابل و بقايا "المرفهين" مصدر استرزاق قصد إعالة عائلاتهم بدنانير يسدون بها رمقهم ،هم ضحايا لسوء المعيشة أو لسبب الحاجة . يجوبون الشوارع و قارعة الطرقات بحثا عن القمامات لعلهم يجدوا شيئا يجنون منه و لو القليل من الدنانير التي ستعيلهم على حالتهم المزرية التي أجبرتهم الظروف عليها دون أن يشفع لها سن الطفولة البريء،هي حياة أولئك الأطفال الذين فضلت يومية "الاتحاد" أن تدنو منهم لتكشف عن حجم معاناتهم من إخطبوط الفقر و الحرمان في بعض من الأحياء الشعبية بالعاصمة و قامت بدردشة من بعض هؤلاء. المزابل "لمجة" أطفال فقراء يتكرر يوميا مشهد الأخوين "ياسر" و "بدر الدين" اللذان لا يتجاوز سنهما الخامسة عشر ربيعا و هما يرتديان ألبسة هشة منهمكين وسط أكياس القمامات و المزابل بكل نشاط و حيوية حيث كانا يقلبونها يمينا و شمالا بأياديهم غير مكترثين بنظرات المارة في بئر خادم الواقعة بإحدى نواحي العاصمة بحثا في بقايا الأغنياء علهم يجدون شيئا ينفعهم و يثلج به صدور أفراد عائلتهما، اعتقدت يومية "الاتحاد" في بادئ الأمر أنهما بصدد البحث عن شيئا ضيعاه إلا أنها اكتشفت من قبل أحد أبناء حيهم أن المزابل باتت مصدر رزقهما اليومي بعد أن حل الفقر بهم و حرمهما من أدنى مستويات المعيشة على غرار الظروف الصحية و حتى المأكل و المشرب،اقتربت منهما يومية "الاتحاد" و بعد إلحاح و جهد كبيرين استطاعت أن تكسب ودهما و تقوم بدردشة قصيرة معهما حيث صرح "ياسر" أنه لم يجد أمامه عملا سهلا لمساعدة عائلته إلا القمامة و خاصة أن عمره لا يتجاوز الحادية عشرة ربيعا طلق مقاعد الدراسة نظرا لحالته المزرية و لكنه لم يتمكن من الخوض في الأعمال الشاقة بل وجد في بقايا العائلات الغنية مصدر قوت عائلته البسيطة "والفت هذي الخدمة خير ملي نسرق لازم كول يوم نصيب قيس ما نشري لحليب لخويا أصغير.." كانت ينطق هذه الكلمات بصعوبة كبيرة يتوقف لحظات يتنهد و يطلق نظراته بعيدا ثم يكمل حديثه"معلباليش علاش زدنا لهذي الدنيا مازال ملبستش حاجة جديدة و لا كليت مكلة بنينة.." فمرهف الأحاسيس لا يستطيع أن يستمع لكلامه و لا يحتمل منظره الذي تدمع له العين و تقشعر له الأبدان،فيما استطرد "بدر الدين" الحديث قائلا:"غير ربي اللي عالم بحالتنا واش نقولك ميحس بالجمرة غير اللي كواتوا.."لم يكثر الكلام معنا إلا أن كلامه يوحي أنه شخص بلغ الأربعين من العمر فصدق المثل الشعبي القائل "كل محنة تزيد في الراس عقل" نعم استطاع الفقر أن يعلمهما أشياء كثيرة يجهلها أبناء الأغنياء خاصة الأنانيش منهم الذين أصبحت الموضة العمياء كثقب الأذن و تقطيع الملابس همهم الوحيد. يصنعون من بقايا التجار وجباتهم الغذائية كثيرون أمثال "ياسر" و "بدر الدين" الذين عانوا من الفقر الذي كاد أن يكون كفرا، يرتدون ملابس رثة و بالية و نعال جد قديمة و وجوههم صفراء شاحبة تعكس حالاتهم المزرية هم أطفال بعمر الزهور ضحية الفقر و الحرمان يقضون يومياتهم في المزابل و القاذورات يقلبونها يمينا و شمالا ووضع ما تقع أيديهم داخل أكياس و جمع بقايا المواد البلاستيكية لبيعها إلى أشخاص مقابل دنانير زهيدة لكنها حسبهم تبقى وسيلة تساعدهم على اكتساب قوتهم اليومي و بسبب تدهور وضعياتهم الاجتماعية فنجدهم لا يعرفون من محلات الخضر و الفواكه سوى أماكن رمي الفضلات التي يقومون بجمعها و فرزها لإعداد وجبات غذائية للعائلة ،ففي حدود الساعة الخامسة مساءا تبدأ رحلة هؤلاء الأطفال في بعض الأسواق الشعبية بالعاصمة عن بعض الخضر المرمية من قبل التجار لإعداد وجباتهم الغذائية في الوقت الذي يخير فيه أبناء العائلات الميسورة الحال بين مختلف الأطباق الطيبة و الشهية التي تعدها أمهاتهم من دون بذل ذرة جهد منهم. المزبلة الرحم الولود لأمراض خطيرة