الأطفال هم شمس آباءهم المشرقة ، ونور غدهم ،وفضاء كونهم، ولكنهم عجينه لينه نشكلها حسبما نريد، فإنا أن نربيهم على حب العلم والعطاء وإسعادهم، أو نتركهم في مهب الريح تشكلهم الحياة بمحاسنها وأخطارها، وبهذه الحالة لن يلوم الآباء أنفسهم لأنهم تخلوا عن مسؤوليتهم الأخلاقية والعاطفية والدينية اتجاه أهم ما يملكون بالحياة .. يصاب الآباء بالصدمة والذهول، عندما يكتشفون أن طفلهم لص وسارق، فكم من الآمال والمخاوف، تداخلت مع الأمنيات والقلق لتنسج خيطا ملتويا يربط الوالدين مع الطفل، فهذا وضع لا يتمنى أي من الوالدين مواجهته، ولكن المدهش أن السرقة بين الأطفال ليست أمرا غير مألوف، وليست وراثة أو فطرة لدى الإنسان عن طريق التقليد أو المحاكاة، ومن ثم يمكن لهؤلاء الآباء تفادي وقوع أبناءهم فيها ، بحسن التربية السليمة الصالحة وتحذيرهم من مخاطرها ونتائجها الجمة عليهم وعلى مستقبلهم وضررها على المحيطين، وذلك حتى لا يشعرون بعدها أنهم فشلوا في تربية فلذاة أكبادهم. السرقة عادة سيئة ممتدة من فاعلها للمحيطين به،و سلوك وتصرف يعبر عن حاجة نفسية أو رغبة لدى مرتكبها، أصلها حب التملك بالسرقة كوسيلة وهذه الاحتياجات والرغبات يجب إشباعها له، وخاصة عندما يعيش طفل الحرمان ويجد المحيطين به سواء أخوته أو زملائه بالمدرسة متوفر لهم كل رغباتهم واحتياجاتهم دونه، وتعرف كلمة سرقة بأنها أخذ شيء من دون الحصول على إذن صاحبه ومن دون نية إرجاعه. وعندما يرتكب الطفل السرقة، تغمر الوالدان مشاعر من الخوف والقلق. السارق الصغير.. معاناة يومية لدى معظم العائلات وفي استطلاع أجرته الاتحاد حول رأي بعض الأولياء في الموضوع، اكتشفنا أن ظاهرة السارق الصغير متفشية بكثرة لدى بعض العائلات حيث سرد الكثير من الأولياء هذا السلوك غير المقبول، حيث يقدم أطفالهم على السرقة و توفوا من تحول هذا الفعل إلى عادة مستهجنة ومتجذرة في شخصيته، و الطبيب النفسي هو الحل الوحيد بالنسبة لهم. هل من الممكن أن تتصور أن طفلك يسرق؟ مونيا أم لطفل استهلت الحديث معنا وهي في غاية الإحراج والخزي، حيث قالت" لا تتصورون كيف تكون حالتي النفسية في كل مرة تستدعيني المدرسة لتخبرني بأن طفلي البالغ من العمر 7 سنوات، قام بسرقة بعض الأدوات المدرسية من زميله في القسم، والشيء الذي يحيرني أكثر أنه ليس في حاجة إلى هذه الأدوات، لأنه يملك منها الكثير وما يفيض. ولذلك أنا لا تجد تفسيرا لتصرفاته الغربية، والمشكلة أنه ينكر دائما أنه سرق أشياء من زميله، إلى أن أفاجأ بها مخبأة بين أغراضه". وتضيف "في البداية كنت أتسامح معه، وأكتفي بجعله يعيد الأغراض إلى أصحابها مع طلب السماح، إلا أن احتجمت المشكلة بعد أن تكررت شكاوى المدرسة وصار الأمر صارخا". باديس.. طفل يبيع دمى إخوته "solde " فيما تقول بهيجة طبيبة نسائية وأم لأربعة أطفال" باديس أصغر أطفالي الأربع، يأخذ حصته من الدلال وال يحرم من أي شيء يريده، كباقي إخوته، إذ يحصل على منهم ما يطلبه ويشتهيه، ولكنني مع الوقت بت أكتشف أشياء تنقص من البيت، وأخرى ، كما اشتكى ابناي الأكبرين من نفس الشيء، شككت في الأصغر سنا وأصبحت أراقبهما، وفي أحد الأيام ضبطت باديس ذو الثماني سنوات وهو يأخذ نقودا من مقترة " شحيحة" أخيه الأكبر، وبخته ذلك اليوم بعنف شديد وعاقبته، فطلب مني الاعتذار، ووعدني بعدم القيام بالأمر مجددا، ولكن بعد مرور وقت قصير اكتشفت نوعا آخر من السرقة، حيث وأنه في أيام العطل يذهب إلى بيت جده ليلعب مع أقربائه، فكنت أحظر ملابس تكفيه في محفظة صغيرة، ولكنه كان يستغفلني ويستبد تلك الملابس بدمى وألعاب إخوته، وفي أحد الأيام صادف أن ذهب والده، ليحضره من بيت جده، فإذا به يجده يبيع ألعابا لفتيان القرية، حيث وضعها على لوح كان مسندا على حجرين ينادي بأعلى صوته " أيا solde , solde ,solde ""كانت صدمة كبيرة، بالنسبة لزوجي" تقول ذات المتحدثة لم نتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد، وعلى الفور اتخذنا قرارا بعرضه على أخصائي نفسي قال أن عندما يغدقون على الطفل، فيعطونه كل ما يطلبه أو أكثر مما يطلبه، أو يبالغون في مكافأته عن كل شيء، فيتصور أن المكافأة حق يجب أن يأخذه بأي طريقة، على وجه السرعة، فتكون السرقة في هذه الحالة أسهل الطرق التي يصل بها إلى غرضه، وقد يتمادى في ذلك إلى أبعد مما نتصوره، من دون أن يدرك عواقب ذلك التصرف. اللص الصغير.. إما محروم، إما مغدوق وللتقصي أكثر، طرحنا الموضوع على مرشدة تربوية في إحدى المدارس بالعاصمة والتي قالت لنا أن هذه الحالة تظهر عندما يريد الطفل التعبير عن شيء معين بسبب تغيير يحدث في حياته، كالانتقال لبيت ثان، أو إلى بلد ثان، أو قدوم مولود جديد يثر غيرته، أو نتيجة قمع يعانيه في البيت، أو حرمانه من العطف والحنان، أو نتيجة شعوره بالإهمال من ناحية الأب أو الأم. كل هذه العوامل، في رأي المرشدة ، تساعد على ظهور هذه الحالة لدى الطفل، لذلك يجب على الأهل أن يخصصوا له مزيدا من الوقت ومن العطف والتفهم، وأن يعاملوه كصديق، ويشعروه بالاهتمام، ويحيطوه بالحنان الكافي، حتى يشعر بالأمان الذي يحميه من الوقوع في الانحرافات التي تؤثر على نفسيته وعلى علاقاته في الحياة، وهي الانحرافات التي قد يكون الأهل أنفسهم سببا فيها، عن غير وعي منهم. وتكون سلوكيات الطفل السلبية محاولة منه لجلب انتباه الأهل إليه، عند شعوره بإهمالهم له، ولاسيما عند انقطاع التواصل الطبيعي بينه وبينهم. فما أكثر الآباء والأمهات الذين يهملون دور الأسس النفسية في تقويم سلوكيات الأبناء، ظنا منهم أن الماديات وحدها كفيلة بأداء ذلك الدور! السرقة تعويض لناقص وفي نفس السياق يرى احد الاختصاصيين النفسيين أنه يجب البحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء مثل تلك التصرفات السيئة، ويشير الدكتور موسي صهيبي إلى أن السبب قد يكمن في الأهل أنفسهم، وأوصى الآباء بإعطاء الأبناء مصروفهم بما يتناسب مع سنهم، وحذر من الإغداق المفرط والدلال الجم، كما نصح بعلاج الحرمان العاطفي وعدم التطرف في الحماية الزائدة، ما يجعل الطفل يحس بحقوق الملكية وحب الامتلاك والتعويض عن الحرمان المادي أو حب الظهور والمباهاة والرغبة في تأكيد الذات. وحذر الدكتور من العقاب الجسماني المتكرر للطفل لأنه يغرس في ذهنه أن العدوان شيء مباح من القوي على الضعيف، وأيضا حذر من التدليل الزائد وضعف الرقابة الأسرية. تجاهل السرقة الأولى يولد من اللعبة صنعة كما أوضح الدكتور جلال .م طبيب مختص في قضايا الأسرة والطفل أنه من الخطأ في علاج السرقة لدى الطفل أن يتجاهل الوالدان الأمر أو يقوم أحدهما بالدفاع عن الولد، بل يجب اللجوء إلى أساليب العلاج الصحيح بتدعيم أخلاقيات الأمانة وبعلاج الحرمان المادي بتوفير الضروريات اللازمة للطفل من مأكل وملبس وإشباع ميل الطفل للتملك. وحذر من اللجوء إلى العنف واستخدام أسلوب الذلة والمهانة، وأنه لابد يكون لدى هذا الطفل وعى وإدراك بين ما يخصه ويملكه بشكل فردى وما لا يخصه ويدخل ضمن ممتلكات الغير حتى ولو كان يخص أحد أفراد أسرته وكذلك القدرة على التمييز بين الخير والشر. طفل ما قبل الثامنة ليس بسارق أما المحامية زرهوب فقالت أنه لا يصح وصف الطفل بالسارق قبل ذلك سن الثامنة، وبالتالي لا يمكن أن يطلق على سلوكه تعبير سرقة فالسرقة عند الأطفال في عمر من أربع إلى ثماني سنوات تتم بشكل عفوي لا إرادي من جانبه، أما إذا استمرت السرقة معه كسلوك مرضى حتى سن عشر سنوات وأكثر فإنه مرض ومشكلة نفسية يجب معرفة أسبابها ووسائل علاجها . وتضيف المحامية" في معظم الأحيان يبدأ الطفل بسرقة الأشياء البسيطة من المنزل وغالبا ما تكون المسروقات مأكولات أو أشياء يسهل التخلص منها فهذا لا يجعل منه سارقا، أما إذا تطور الأمر وسرق نقودا من جيب أبيه أو من أمه، أو أشياء ثمينة مثل المجوهرات الذهبية، أو أشياء قيمة ، ثم يلجأ لإخفاء ما قام بسرقته حتى لا يتهم أو يعاقب ويبدأ في الكذب خوفا من توقيع الجزاء عليه سواء من الوالدين أو المدرس بالمدرسة فهذا يستدعي التدخل العاجل لمنعه من الوقوع المحظور. الوقاية خير من العلاج ولمعالجة مثل هذه الخصلة تستوجب مراعاة الجوانب التالية: 1 دراسة العلل والأسباب: وهي الخطوة الأولى في الإصلاح 2 سد النواقص المادية: النقطة الأخرى المهمة في هذا المجال هي وجوب توفير الحد الأدنى من الحاجات المادية للطفل 3 إشباعه بالعطف والحنان: هنالك تأكيد واضح على ضرورة مؤانسة الطفل وأن يغمره أبواه بالعطف والحنان. ولابد أيضا من وضع حد لا يتجاوزه لكيلا تكون له جرأة عليهما، وأن يحترم رأيهما. 4 توفير الأجواء الايجابية: يعتبر توفير الأجواء الايجابية والسلمية حقا من الحقوق التربوية لكل طفل. فليس من الصحيح أن يتربى الطفل في أجواء تطفح بالجريمة والاستهانة بالقانون، والاعتداء على حقوق الآخرين، ولا من المناسب أن يترعرع في أسرة تمارس الجريمة. 5 التوعية: وغالبا ما تهدف إلى تعريف الطفل بخطئه بلغة بسيطة ومنطق مفهوم، وذلك عن طريق التنبيه إلى أن مثل هذا العمل لا يرتضيه أفراد أسرته ولا سائر الناس، وان الله يغضب منه، وقد وضع له عقوبة قاسية. 6 التعويد على عزة النفس: بالإمكان تعليم الأطفال على عزة النفس، وتربيتهم على الطباع الحميدة، ورفع مستواهم الفكري، وخلق شخصية قوية فيهم.