تجذب حقول الزيتون بمنطقة سيق بشمال ولاية معسكر سنويا خلال الفترة الممتدة بين شهري أكتوبر وديسمبر آلاف الناس من طالبي العمل لدى أصحاب الحقول الذين يوظفون ألاف الشباب والكهول في عملية الجني التي تمتد أحيانا حتى شهر جانفي. مما يوفر فرص عمل موسمية تستمر أحيانا أربعة أشهر في السنة وهو المجال الذي يعزف عنه أبناء المنطقة. شباب يكسبون 30 مليونا من العمل 4 أشهر وأصبح عادة لدى أزيد من ألفي شاب وكهل من ولايات مستغانم، غليزان والشلف أن يشدوا الرحال إلى منطقة سيق وعقاز بشمال ولاية معسكر مع بداية شهر أكتوبر على شكل مجموعات منظمة من 15 إلى 20 فرد، تحت قيادة شخص يصطلح على تسميته محليا ب''الكوميست''. وهو من يقود المجموعة ويبحث لها عن عمل لدى أصحاب الحقول. ويتفاوض معهم باسمهم حول الأجر وظروف العمل والإقامة وغيرها. وينظم مأكلهم ومشربهم وإقامتهم طيلة فترة جني المحصول. ويقوم بمراقبة العمل نيابة عن صاحب الحقل مقابل أجر ومساهمة من العمال الذين يمثلهم وإن كان لا يعمل معهم في قطف الزيتون كما يؤكد أحد أبناء منطقة سيق ل''الخبر''. ويقيم العمال الموسميون داخل خيم يتم نصبها وسط الحقول أو داخل الأبنية المهجورة في المزارع القديمة طيلة فترة العمل. حيث لا يغادر العمال الذين يتقاضون أجر 200 دينار عن كل صندوق زيتون يتم جمعه. وهو الصندوق الذي يحمل ما بين 20 و 22 كيلوغراما. حيث يجمع العامل الواحد متوسط 15 صندوقا في اليوم مما يعني تقاضيه معدل 3 ألاف دينار يوميا. وإذا علمنا أن بعضهم لا يتوقف عن العمل في أي يوم طيلة فترة الجني فإنه قد يعود لعائلته التي لا يزورها لأشهر بقرابة 30 مليون سنتيم. وهو مبلغ قد يغنيه عن البحث عن عمل إلى غاية موسم جني الزيتون المقبل لذلك يتحمل التعب الإرهاق والبعد عن الأهل والزوجة والأولاد ويتحمل ظروف العمل والإقامة القاسية طيلة هذه الفترة. شباب محليون يجمعون زيتونا متساقطا عوض جنيه بأجر ويتم اللجوء إلى هذا النوع من اليد العاملة بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة بسبب عزوف أبناء المنطقة عن العمل في جني المحصول باعتباره عملا متعبا رغم مداخيله المرتفعة نسبيا. وبسبب القدرة على تحقيق مدخول مناسب من عمل مواز أخر أقل صعوبة منه حسب السيد محمد صاحب ال 50 سنة. حيث أكد أن أبناء بلديات سيق وعقاز وبوهني والعلايمية يقومون بجمع الزيتون المتبقي في الأشجار أو المتساقط على الأرض بعد خروج الورشة من الحقل. ويقومون بجمع حوالي 20 إلى 30 كيلوغرام يوميا من الزيتون الذي يبيعونه لأصحاب مصانع التصبير ب 60 دينار للكلغ. أو يقومون بتصبيره بطريقة تقليدية داخل بيوتهم ليبيعوه في فصل الربيع في الأسواق الأسبوعية أو بالجملة لتجار أسواق الأوراس والمدينة الجديدة والحمري بوهران بمعدل 140 دينار للكلغ. وهو ما يوفر لهم مداخيل يمكنها أن تكفيهم وعائلاتهم بقية شهور السنة. و لا يمثل العمل في جني الزيتون فرص العمل الوحيدة في هذا الفصل من السنة. حيث توفر عشرات المصانع بين القانونية وتلك التي تعمل في الظلام داخل البيوت مناصب عمل أخرى كثيرة مخصصة هذه المرة للنساء على وجه الخصوص. حيث تكلف نساء مقابل حوالي 400 دينار يوميا، حسب أحد أصحاب المصانع الذي رفض ذكر إسمه، بفرز الزيتون من حيث اللون والحجم يساعدهن في ذلك بعض كبار السن. ويتم اللجوء إلى النساء بسبب عدم مطالبتهن بأجر كبير وبسبب خاصية الصبر والعمل دون المطالبة بفترة راحة للتدخين وغيره كما يفعل الرجال. ويستطعن بذلك مساعدة أزواجهن أو عائلاتهن على تكاليف الحياة التي لا ترحم. وتؤكد إحدى النساء التي تشتغل بهذه المصانع بشكل موسمي أن عائلتها لا تعارض عملها باعتبار أنها تعمل في وسط نسائي وأغلب العاملات معها هن من جاراتها وقريباتها. ولا يعملن بعيدا عن مقرات سكناهن. وأحيانا كثيرة تعملن في مصنع يملكه قريب لهن ناهيك عن قيامهن بالعمل أحيانا حسب طاقتهن. وتتم محاسبتهن وفق المردود فيستطعن المغادرة عند إتمامهن العمل. وإن كانت فرص العمل في جني الزيتون موسمية فإنها تخلق حسب عضو بالمجلس البلدي لمدينة سيق نشاطا تجاريا موسميا هو الأخر، بسبب المصاريف التي يقوم بها العمال الوافدون من الولايات المجاورة. مما يوفر حركية تجارية هامة يساهم فيها أيضا العمال القادمون للعمل في ورشات البناء. وإن كان عددهم أقل مقارنة بالقادمين للعمل في جني الزيتون. مليون و 870 ألف شجرة تقدم 280 ألف قنطار زيتون هذا الإقبال للعمل في حقول الزيتون بمنطقة سيق سيتواصل لسنوات مقبلة حسب أحد أعضاء غرفة الفلاحة لولاية معسكر بالنظر إلى التوسع في المساحات المغروسة بأشجار الزيتون بالولاية وبمنطقة، سيق على الخصوص حيث وصلت مساحة الأراضي المغروسة بأشجار الزيتون إلى أزيد من 13 ألف هكتار منها تضم أزيد من 1 مليون و 870 ألف شجرة أزيد من 10 ألاف هكتار منها منتجة 80 بالمائة منها بشمال الولاية و هي المساحة التي حققت السنة الماضية أزيد من 280 ألف قنطار معظمه من زيتون المائدة بينما يوجه الرديئ منه إلى المعاصر لتحويله إلى زيت يقدر إنتاجه سنويا بقرابة 1000 هكتولتر. منطقة أخرى من ولاية معسكر تستقطب اليد العاملة من الولايات الأخرى و لكن بشكل تبادلي حيث تستقطب منطقة سهل غريس مئات العمال في فترة غرس البطاطا و فترة جنيها و هم عمال قادمون على وجه الخصوص من المناطق المحاذية لولاية معسكر من ولايتي تيارتوغليزان. حيث يقدم هؤلاء إلى معسكر في الأول، باعتبار ولاية معسكر أرضها أكثر سخنا ويتم تحضيرها باكرا. كما يتم جني محصولها باكرا أيضا حسب السيد بوجلال، وهو تقني سابق في الفلاحة. ليتحول هؤلاء مع نظرائهم من ولاية معسكر إلى ولاية تيارت للغرس ثم للجني مرة أخرى. ويسجل نفس المتحدث أن مناطق واسعة من ولاية معسكر وخاصة الوسطى منها كانت تستقطب مئات العمال من الولايات المجاورة للعمل في حقول الكروم التي كان منتوجها كبيرا جدا قبل أن يشرع في نزعها وتعويضها بمحاصيل الحبوب. وكان هؤلاء يعملون بحقول معسكر قبل التوجه إلى حقول ولاية عين تموشنت التي يتأخر منتوجها من الكروم عن منتوج معسكر. وهو الأمر الذي اختفى حاليا بشكل كبير حتى أن بعض أصحاب مزارع الكروم أصبحوا يعتمدون فقط على أبنائهم وأقاربهم و بعض الأطفال الصغار الذين لا يكلفونهم كثيرا. يحدث كل هذا في الوقت الذي يشكو عدد كبير من الشباب من البطالة وعدم إتاحة فرص العمل أمامهم رافضين العمل في هذه المزارع وورشات البناء إلا لفترات قصيرة تمكنهم من وضع مصروف في جيوبهم. وهو ما أكده مقاولون عدة مرات للسلطات المحلية عند الزيارات التفقدية للمشاريع دون أن يجد المسؤولون حلا للمعضلة, التي أرجعها أحد المسؤولين إلى رغبة أغلب الشباب في العمل كأعوان أمن وفي الفترة الليلية حيث ينامون ليقوموا في الصباح بتجارة ما. شباب يؤكدون: مسؤولون يقيمون مشاريع لأبنائهم و يطلبون منا العمل دون حماية بعض الشباب الذين التقت بهم ''الخبر'' أكدوا أنه لا يمكن تسمية العمل الموسمي في الحقول مناصب عمل والتشهير بها باعتبارها مؤقتة. كما أن العديد من أصحاب المزارع يفضلون العمال القادمين من ولايات أخرى لأنهم يمضون فترة عمل أطول من المعتاد. ويقيمون في ظروف لا إنسانية داخل خيم بالمزارع. وهو ما لا يمكنهم القيام به لارتباطات عائلية، ناهيك عن مشكلة التأمين الاجتماعي الذي لا يستفيد منه العمال الموسميون وعملهم في أجواء و ظروف صعبة تجعلهم عرضة لأخطار لا يملكون إزاءها أي تأميم لا صحي ولا إجتماعي ولا تتدخل السلطات لحمايتهم وفرض تطبيق الإجراءات القانونية على أرباب هذا النوع من العمل. ويضيف شاب أخر أنه إذا كان المسؤولون يلومونهم على عدم التوجه إلى العمل في الحقول، فلماذا يشفقون على أبنائهم الفاشلين دراسيا؟ ولماذا لا يوجهونهم للعمل فيها؟ ولكنهم في الواقع، يضيف نفس الشاب، يستعملون نفوذهم لدى البنوك و مؤسسات التشغيل لإقامة مشاريع لأبنائهم يكونون الآمرين الناهين فيها لذلك فإن مجال التوظيف الوحيد المفتوح أمامهم وإن بدأ يشهد تعقيدات هو التجنيد في صفوف الجيش الوطني الشعبي كجنود ورتباء فقط.