الزُّهد في الدنيا من أفضل المُنجيات، وأجلّ القُربات. قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ. أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثَمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}، القصص60 .61 وقوله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}، الأعلى 16 .17 وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''ازْهَد في الدُّنيا يُحِبّك الله، وازهد فيما في أيدي النّاس يُحبّك النّاس''، أخرجه ابن ماجه والحاكم وقال صحيح الإسناد. وقال عليه الصّلاة والسّلام: ''مَن أصبَح هَمّه الآخرة جمع الله عليه أمْره، وحفِظ عليه ضَيْعَتَه، وأتتهُ الدُّنيا وهي رَاغِمة...''، أخرجه الترمذي وابن ماجه. وحقيقة الزهد خروج حبُّ الدّنيا، والرّغبة فيها عن القلب، وهوان الدنيا على العبد، حتّى يكون إدبار الدنيا وقِلّة الشيء منها أحبّ إليه وآثر عنده من إقبال الدّنيا وكثرتها. فأمّا مَن أحبَّ الدنيا بقلبه، ورغب فيها، وسعَى لجمعها يقصد بذلك التَّنعّم والتّمتّع بشهواتها، من الرّاغبين في الدّنيا، وليس من الزُّهد في شيء. وأمّا مَن طلب الدّنيا ورغب فيها فلَم يتيسّر له، ولم يحصُل على مطلوبه منها فبقي فقيرًا لا شيء له، فهذا هو الفقير، وليس بالزاهد، وله في فقره فضل وثواب عظيم إن صبَر عليه ورضي به. وأمّا مَن تبسّط في الدّنيا وتوسَّع في شهواتها، وادّعى مع ذلك أنّه غير راغب فيها، ولا مُحبّ لها بقلبه، فهو مدع مغرور، لا تقوم له حجّة بدعواه، وليس له في حالته تلك قدوة يُقتدى به من الأئمة المهتدين والعلماء الصّالحين، لا من السلف ولا من الخلف.. فاعلم ذلك، والله يتولّى هُداك.