انتهت الثورة في تونس ومصر بأقل الخسائر البشرية، خلال المصادمات بين الشرطة والمتظاهرين، لكن ثورة الشعب الليبي ضد نظام القذافي باتت تعد ضحاياها بالآلاف. تطورت الثورة الشعبية في ليبيا من حالة تمرد وعصيان مدني ضد نظام القذافي إلى حالة من الصدام المسلح، وتدور مواجهات ومعارك بكل الأسلحة الثقيلة والمدافع والقاذفات والقصف بالطائرات بين كتائب القذافي ومجموعات الثوار، وأضحت ليبيا على شفير حرب أهلية. وتؤشر كل المعطيات أنها ستكون قاسية وستنتهي إلى عدد غير محدود من القتلى والجرحى واللاجئين. على الأرض انشطرت ليبيا إلى قسمين، تماما مثلما حدث خلال الحرب الأهلية في لبنان التي شهدت تقسيم بيروت إلى غربية وشرقية، وتحولت ليبيا إلى قسم يضم أراضي محررة يسيطر عليها الثوار، وتمتد من مدينة طبرق القريبة من الحدود بين مصر وليبيا إلى مدينة بنغازي ذات الأهمية الاستراتيجية، ودرنة ومصراتة وصبراتة والزانتان والبيضاء، وصولا إلى منطقة الزاوية الأقرب إلى العاصمة طرابلس، وامتدت سيطرة الثوار على مناطق في أقصى الغرب على الحدود مع تونس، في منطقة نالوت. فيما يخضع القسم الثاني لسيطرة العقيد معمر القذافي ويحكم قبضته عليه عبر كتائبه المسلحة وميليشيات المرتزقة الذين استقدمهم إلى ليبيا من دول إفريقية إلى العاصمة طرابلس ومناطق الربط بين الشرق والغرب وسرت وغيرها من المناطق التي مازالت تحت سيطرة القذافي. على الصعيد العسكري، انقسم المشهد إلى صفين، اصطفت في الأول الكتائب التابعة لأبناء القذافي خميس والمعتصم وسيف الإسلام وسيف العرب وهنبعل، تدعمها ميليشيات المرتزقة الأفارقة، إضافة إلى ميليشيات اللجان الثورية وبعض من كتائب الجيش الليبي التي مازالت تدين بالولاء للقذافي. وفي الخندق المقابل، اصطفت مجموعات الثوار الليبيين، غالبيتها تتكون من الشباب غير المدرب على السلاح، انضمت إليهم الوحدات العسكرية ومجموعات من الجنود والضباط التي أعلنت تمردها على القذافي، ووضعت نفسها في خدمة الثورة الشعبية. ويعد انتشار السلاح في غالبية بيوت الليبيين، وتبني النظام الليبي منذ عقود لشعار ''الثروة والسلاح بيد الشعب''، وتدريبه لليبيين على السلاح في إطار ما يعرف ب''اللجان الثورية''، استعدادا لمواجهة الإمبريالية، مثلما كان يعتقد القذافي، أحد العوامل التي ستؤجج نار الحرب الأهلية. وفي الخضم، يغيب اسم ''الجيش'' وتحضر مسميات المرتزقة والكتائب والميليشيات واللجان، وهو ما يبرز إلى حد كبير طابع الدولة التقليدية الذي أفرزته 42 سنة من حكم القذافي، واستخلافه لمؤسسات الدولة الحديثة بخيمة القبيلة والكيانات الشعبية والاجتماعية، وهو ما لم يسمح بوجود مؤسسة عسكرية قوية يمكنها حسم الأمور، أو التدخل لفض الاشتباك السياسي بين الشعب الليبي ومعمر القذافي، مثلما حدث في تونس ومصر.