هل يأتي التغيير من داخل النظام أم من خارجه؟ هل يمكن للنظام القائم أن يقوم بالتغيير أم ينبغي أن تتولى ذلك ''نخبة'' أخرى؟!! السؤال في حد ذاته فيه نوع من المخادعة، ذلك أنه يعطي الانطباع وكأن التغيير سيأتي غدا وأن المشكلة هي فقط في من سيقود هذا التغيير. طبعا لا تغيير في الأفق، خاصة التغيير المقصود، أي الخروج الكامل من هذا الشكل من حكم المركزية الحادة إلى نظام ديمقراطي حقيقي. ومع ذلك ينبغي تأكيد أن التغيير قادم لا محالة، والأوضاع الحالية، الموضوعي منها والموضوع بشكل إرادي، كلها تدفع في ذلك الاتجاه. لكن أي تغيير مرجح أن يأتي؟ على ضوء المعطيات القائمة الآن، ليس هناك لا فكرة ولا برنامج تغيير وإصلاح مطروح ويملك قدرة تجنيدية. وليس هناك قوة اجتماعية سياسية منظمة فاعلة ومستعدة لقيادة هذا التغيير المنشود. بخصوص النظام، الواضح أنه ليس هناك رغبة ملموسة وواضحة لديه في القيام بالتغيير خاصة التغيير الكامل، بل يبدو أن السيستام فقد القدرة على المبادرة. وعمليا واضح أن السيستام عمل لمدة عشريتين تقريبا على إحداث الفراغ داخل المجتمع وعلى طرد وقتل كل منافسة ممكنة تشكل بديلا له. وإذا عدنا لرجال السياسة فإننا نتذكر البيان الذي أصدره الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري والبيان الذي قد يصدره زعيم القوى الاشتراكية حسين آيت أحمد ولكن نذكر أيضا البيان الثلاثي الذي وقعه كل من حسين آيت أحمد وعبد الحميد مهري ومولود حمروش منذ عدة سنوات، وبقي مجرد حبر على ورق، ونذكر ما يصدر هذه الأيام عن هذا التجمع لعدد من الشخصيات السياسية في إطار تنسيقية التغيير، كل ذلك يدل أو يحذر السلطة، أن الأوضاع لم تعد محتملة. ولكن مع ذلك لا بد أن نلاحظ أن الكل يخاطب السلطة ويطالب السلطة بالتغيير ولا يتوجه مباشرة للمجتمع. والسلطة لن تمكن أحدا من التوجه مباشرة للمجتمع. والتوجه للمجتمع عند سعيد سادي وغيره ظهر محدود الأثر حتى الآن. لكن دعنا نضع الأمور في نصابها. الرئيس يتحدث باحتشام كبير في رسالة للشباب عن الديمقراطية والتنمية ومزيد من الحريات وغير ذلك. وهنا من الصعب أن نفهم بشكل موضوعي معنى هذا الخطاب. فمنذ فترة قصيرة جدا دفع الرئيس بتعديل جزئي للدستور، ليس فقط للحصول على فترة انتخابية ثالثة، ولكن لتوسيع صلاحياته ومركزة السلطة في يده، إنه لم يبادر بأي تعديل لصالح مزيد من الحريات أو مزيد من الإصلاح. ومن الصعب التعويل على تغيير حقيقي من هذا المصدر. لا يمكن لمنطق الحكم الذي يعتمده الرئيس بوتفليقة أن يتغير بين عشية وضحاها، أن يكون إمبراطوريا اليوم وغدا ديمقراطيا. مقابل هذا تظهر الساحة السياسية فقيرة جدا، فقيرة بالأفكار وفقيرة من حيث تواصلها مع المجتمع، لأسباب موضوعة حينا وموضوعية حينا آخر. فالتنظيمات القائمة اليوم تعبر عن توازنات السلطة الداخلية أكثر من تعبيرها عن المجتمع وتطلعاته. وهناك مسألة لا تثار، ولست أدري لماذا، وهي أن تأثير المال، وليس الرأسمال، وهو في غالب الأحيان غير شرعي، وفي كل الأحوال ما زال لا يملك ثقافة دولة ولا ثقافة رأسمالية وأقل من ذلك مشروع مجتمع، يبدو في السنوات الأخيرة أقوى من الأحزاب، بل وأن الكثير من أجهزة الأحزاب صارت تابعة له، وإن لم تكن قد تحالفت معه فإنه أخترقها اختراقا واضحا وذلك برضا السلطة. وصورة شراء ''القوائم الإنتخابية''، أو المقاعد الأولى فيها، التي ظلت وسائل الإعلام تنقلها تؤكد جوانب كثيرة من هذه الصورة. الواقع يبدو لي أن الجزائر تعيش اليوم ما يشبه وضع سنة 3591. إنه الانسداد. النظام في مأزق والمعارضة في حال عجز حينا وتواطؤ أحيانا كثيرة. والمجتمع في حالة قنوط من السلطة ومن الأحزاب في آن واحد. وهو ما قد يعني أن مبادرة التغيير لا بد أن تأتي من خارج الأجهزة السياسية القائمة. ولكن يظل السؤال الأهم اليوم هو: هل البلاد في حاجة لمخرج ثوري أم إلى مخرج سياسي يقوم على تسوية سياسية شاملة وعلى هدف واحد هو هذه المرة يشبه التحرير. إنه إقامة جمهورية ثانية؟! فهل يمكن التعويل على الرئيس بوتفليقة وعلى مراكز القرار في النظام في إقامة هذه الجمهورية الثانية؟ [email protected]