لا أتصور وجود عالم نفس في أي عصر من العصور... الغابرة والحالية وربما حتى اللاحقة، يستطيع كشف سر العلاقة الغريبة والشاذة للحاكم العربي بكرسي الحكم الذي يجلس عليه وعبادته لهذا الكرسي حتى الموت... صحيح أن التشبث بالحكم صفة ملازمة لكل حكام العالم الثالث، وبالتالي فللأمر علاقة بذهنية وسلوك متخلفين، لأن علاقة العالم الثالث بالتخلف علاقة لا جدال ولا خلاف حولها أو عليها، وبطبيعة الحال لا يمكن أن نتصور أن هذه البلدان متخلفة في مجالات التكنولوجيا والصناعة والفلاحة والثقافة وعلى المستويات الفكرية والسلوكية لعامة الناس... وبالمقابل نتصور أن حكامها على قدر محترم أو مقبول من العلم والثقافة والدراية بالسلوكيات المتحضرة. لنتأمل آخر نماذج الثورة العربية في الجارة ليبيا التي أوصلها عقيدها إلى حرب أهلية بكل ما تحمله الحرب الأهلية من معنى ومعان، لكن مع ذلك يصر على البقاء على رأسها... ورغم كل الدماء التي سالت فإن العقيد لن يغادر موقعه لو قدّر له أن يقهر المنتفضين ضده وهم أبناء شعبه وجميعهم في عمر أبنائه وأحفاده... إن هذا القذافي جاء كما هو معروف بنظرية ثالثة للحكم... وهذه النظرية لا تقبل شريكا في السلطة بعد تحريمها للتحزب والتمثيل النيابي أو أي شكل من أشكال التنظيم، لكن بمجرد حمل ليبيين للسلاح وتمكنهم من السيطرة على مدن بكاملها سقوطا مدويا للنظرية، والسلطة التي قامت على أساسها، لكن العقيد لا يجد حرجا بعد حدوث كل الذي حدث في تبني دستور وإجراء انتخابات، وبالتالي قبول شركاء في الحكم، فهل هذا معقول؟ في اليمن... لم يقتصر الأمر على خروج الشعب إلى الشارع والساحات في اعتصامات لا تنتهي، وإنما امتدت الأمور إلى استقالات جماعية مست حتى الضباط الكبار في الجيش وإطارات الدولة من وزراء ونواب قيادات حزبية بمن فيهم قادة حزب الرئيس، لكن مع ذلك يصر علي عبد الله صالح على البقاء حاكما لليمن، فأمام أي نوع من البشر نحن؟ أما في مصر... فلم يرحل مبارك حتى احتل الشعب المصري كل شوارع وساحات معظم المدن المصرية الكبرى، وبدأت جماهيره في التمدد نحو القصر الرئاسي الذي كان يقيم فيه... عندها تأكد مبارك أن الخيار الوحيد المتاح أمامه هو مغادرة الكرسي فخرج مكرها لا طوعا... أما قبل هذا فلم ينفع معه لا الشتم ولا حتى رمي صوره بالأحذية في دفعه إلى الرحيل. نفس الشيء بالنسبة لأسد سوريا الذي ما زال يوهم نفسه بأنه يختلف عن بقية الحكام العرب ويقتل العشرات من شعبه كل أسبوع على أمل أن يبقى حاكما. هذه الصورة تنطبق تمام التطابق على بقية الحكام العرب ومنهم رئيسنا بوتفليقة الذي أقدم، وهو في أرذل العمر، على تعديل الدستور وفتح عهداته حتى يبقى حاكما... وسيبقى بطبيعة الحال حاكما ما بقي على قيد الحياة... وبطبيعة الحال لو سئل بوتفليقة عن مدى رغبته في البقاء حاكما لأجاب دون حرج، بأن مستقبله وراءه، وبالتالي فلا رغبة تشده إلى الكرسي الجالس عليه... فهل من عالم نفس يفسر لنا سر ارتباط هؤلاء الحكام بهذه الكراسي التي لا يتركونها إلا في حالة الموت أو الإبعاد القسري؟