ندعم مسار التغيير في البلدان العربية لكننا لا نتبنى الوصاية على أحد خصصنا سنويا 1000 رخصة عمل في إيطاليا للرعايا الجزائريين - نحن متيقنون من أن الأزمة الليبية بحاجة إلى حل سياسي يؤكد رئيس الدبلوماسية الإيطالية السيد فرانكو فراتيني، في حوار مع ''الخبر'' على رغبة روما في ترسيخ علاقاتها مع الجزائر على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، منوها بالتجربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب. كما شدد على دعم روما لمسار التغيير في البلدان العربية، مشيرا إلى أن ذلك لا يجب أن يتم وفق مقاربة وصاية على هذه البلدان، وعلى أهمية إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية. ما تقييمكم للعلاقات الجزائرية الإيطالية على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، وما آفاق تدعيمها؟ وهل تعتقدون بإمكانية تنمية الاستثمارات الإيطالية في الجزائر، خاصة وأن روما تعد أول زبون للجزائر ومن أهم شركائها التجاريين؟ - العلاقات بين البلدين متينة وترتكز على أسس سليمة على جميع المستويات والأصعدة، لأن هذه العلاقات راسخة وتعود إلى فترات زمنية طويلة، ويمكن أن نرجعها على الأقل إلى خمسينيات القرن الماضي، حينما وجدت القضية الجزائرية صدى كبيرا في إيطاليا، التي قدمت لها دون تردد دعما كبيرا. فضلا عن ذلك، فإن الجزائر وإيطاليا يتقاسمان مصالح على نطاق واسع متصلة بالأمن واستقرار البحر المتوسط والمغرب العربي ومنطقة الساحل، وعليه قمنا منذ سنوات عديدة بتنمية وتطوير علاقات وثيقة وتنسيق وتعاون متين في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وضد كافة أشكال التجارة غير الشرعية للمخدرات وتجارة البشر إلى غير ذلك، يضاف إلى ذلك أن مواقفنا وآراءنا ومقارباتنا تتقاطع وتندمج حول قضايا التسيير على المستوى الدولي، خاصة فيما يتعلق بإصلاح مجلس الأمن للأمم المتحدة ومسائل دولية وجهوية وإقليمية أخرى. أما على المستوى الاقتصادي، فإن إيطاليا بالفعل تبرز اليوم ومنذ سنوات من بين أهم الشركاء التجاريين للجزائر وتواجدها قوي وراسخ بصفة تقليدية في قطاعات الطاقة والأشغال العمومية، ولكي نعطيكم فكرة عن روابط الاعتماد المتبادل التي تميز علاقتنا، يمكن الإشارة إلى أن إيطاليا تستورد حوالي 40 بالمائة من حاجياتها من الغاز الطبيعي من الجزائر، وهذه الحقيقة الهيكلية لم تتأثر أبدا بتقلبات الوضع الاقتصادي الدولي. ولكن هذا الوضع لن يثنينا عن الرغبة في الذهاب إلى أبعد من ذلك بكثير، وتطوير شراكة متوازنة على المدى الطويل في إطار مجموعة من القطاعات الاقتصادية، مكثفة ومتفرعة في مجالات الصناعة الغذائية والطاقات المتجددة، إضافة إلى التنسيق في تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والهياكل القاعدية وقطاع التكنولوجيات العالية، وأخيرا الاتصالات السلكية واللاسلكية أو تكنولوجيات الإعلام والاتصال، فإيطاليا لديها الكثير لتقترحه في هذا الاتجاه، وإحدى أقوى الرسائل التي نرغب بتمريرها خلال لقاءاتي المختلفة في الجزائر هي إعادة التأكيد على إرادة إيطاليا في تقوية الشراكة وتنويع وتدعيم أكبر لتواجدها الاقتصادي في الجزائر. يمثل ملف الإرهاب وبروز تهديدات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أهم تحد يطرح بإلحاح في منطقة المتوسط والساحل، ما هي مقاربتكم لهذا الملف؟ وماذا يمكن لإيطاليا أن تقدمه كتصور ومقترحات على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف مثل مجموعة 5+5 أو الشراكة المتوسطية الأطلسية؟ وكيف تقيمون التعاون العسكري والأمني بين الجزائروروما التي أخذت بعدا أكبر مع بيع العتاد العسكري وتكوين أفراد من الجيش الوطني الجزائري؟ - بالفعل مازال الإرهاب الدولي يمثل تحديا هاما وأولوية يتعين مواجهتها للمحافظة على أمن إيطاليا والجزائر، فضلا عن باقي دول الجوار، ونحن نثمن ونقدر العزيمة والإصرار الذي تحلت به الجزائر وتحكّمها وفعاليتها في مواجهة التهديدات الإرهابية في السابق، ولكن للأسف هذا التحدي لا يزال قائما وموجودا، وإن اتخذ مظاهر وأشكال جديدة ويندرج في سياق مختلف، فشبكات الإرهاب الدولية في منطقة الساحل، وأيضا في مناطق أخرى من العالم مثل القرن الإفريقي، يمكن ويتعين محاربتها عبر جهود مشتركة للمجموعة الدولية، وعليه فإنه من الضروري تنسيق أعمالنا ومساعينا على المستوى الثنائي مع تلك التي نقوم بها على مستوى المنظمات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، ومنظمة الأممالمتحدة في ظل إستراتيجيات خاصة بكل هيئة ومنظمة لمكافحة الإرهاب. أما على المستوى الثنائي، فإننا نعبر عن رضانا عن تنظيم أول اجتماع لمجموعة التعاون في مجال مكافحة الإرهاب الذي احتضنته الجزائر في نوفمبر 2010، وتمثل مجموعة العمل أداة تسمح بتكثيف التعاون الثنائي أكثر في هذا المجال، من خلال مقاربة متعددة التخصصات والجوانب لجعل عمل الهيئة أكثر فعالية وتناسقا وتفعيله مع مختلف قنوات التعاون الأخرى، ونعتبر أنه من الضروري تقاسم التجارب المحصلة في مختلف الجوانب الخاصة بمكافحة الإرهاب منها السياسية والدبلوماسية والقضائية والمالية والعملياتية، وأخيرا التعاون التقني، كما نأمل في أن تحتضن روما في الأشهر المقبلة الاجتماع الثاني لمجموعة الاتصال. قررت إيطاليا التدخل في إطار حلف شمالي الأطلسي في الأزمة الليبية، استجابة لدعوة الشعب الليبي ولتفادي مجزرة حقيقية كان مخططا لها في بنغازي من قبل القذافي. أما فيما يتعلق بالتنسيق والتعاون بين الجزائر وإيطاليا في المجال الأمني، فهو حاضر في إطار المنتديات الجهوية الفرعية الأورو متوسطية كما هو الحال بالنسبة لمجموعة 5+5 الخاصة بالدفاع، والتي نعتبرها نموذجا حقيقيا للتعاون البراغماتي والعملي في المنطقة الأورو متوسطية، والتي تم توسيعها إلى قطاعات المراقبة البحرية والأمن الجوي والحماية المدنية وتكوين الأفراد. وفي نفس الوقت يظل الحوار الأطلسي المتوسطي الخاص بحلف ''الناتو'' أحد العوامل الرئيسية التي تسمح بتدعيم مسار الإصلاح الجاري في المجال الأمني، خاصة بالنسبة للضفة الجنوبية لحوض المتوسط، ونؤكد على أن إيطاليا راضية تماما عن انفتاح الجزائر واستعداداتها التي أبدتها بخصوص هذه المسألة. وبالمقابل، فإننا نؤكد التزامنا واستعدادنا الكامل لاحتضان إيطاليا دورة حول الحوار المتوسطي، لتقييم تطور الشراكة وتحديد الوسائل الضرورية للتنمية الشاملة. الهجرة غير الشرعية موضوع شائك أيضا يطرح بحدة، خاصة وأن إيطاليا والجزائر تعتبران دول عبور وبلدان معنية بحركة المهاجرين غير الشرعيين، هل يمكن اعتماد تعاون فعلي وبناء للحد من الظاهرة؟ وهل بالإمكان تطوير الاتفاق الثنائي الخاص بإعادة الإدماج؟ وكيف يمكن تشجيع استقرار السكان في مناطقهم ومحاربة مظاهر التداخل بين الهجرة وشبكات التهريب والجريمة المنظمة؟ وهل تستفيد الجزائر من برامج الهجرة القانونية؟ - إيطاليا جد راضية عن تعاونها مع الجزائر في مجال الوقاية ومحاربة تدفق المهاجرين غير الشرعيين، ويمكن القول إن التزام الجزائر بالوقاية من هذا المد واضح من خلال معطيات ملموسة وواقعية، فخلال السنتين الماضيتين عرف عدد الرعايا الجزائريين المقيمين بصورة غير شرعية تراجعا معتبرا، كما عرف عدد الجزائريين الذين يصلون إلى الشواطئ الإيطالية أيضا انخفاضا، ونعتمد في سياق التعاون حول قضايا الهجرة على إطار قانوني، يخص أيضا اتفاق إعادة الإدماج ساري المفعول مند 2006، ولكن أيضا اتفاق للتعاون لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة منذ 2008، ومذكرة تعاون للشرطة بين وزارتي الداخلية للبلدين منذ 2009، والتي تتضمن برامج تكوين لفائدة قوات الشرطة الجزائرية. وكعلامة امتنان للتعاون الفعلي الثنائي القائم خاصة مند ,2007 فإن إيطاليا منحت 1000 رخصة دخول لسوق العمل الإيطالية، تم تخصيصها للمواطنين والرعايا الجزائريين، وهذه الحصص تم تأكيدها من خلال مرسوم خاص بتدفقات الهجرة عام .2010 ما هو تقديركم لعدد الجالية الجزائرية المتواجدة في إيطاليا؟ وهل ستقوم روما مجددا بعمليات تسوية للمهاجرين قريبا؟ - تقدر الجالية الجزائرية المقيمة بصفة قانونية في إيطاليا إلى غاية الفاتح جانفي 2011 بحوالي 18 ألف شخص. أما بخصوص عمليات التسوية، فإن إيطاليا قامت في 2009 باعتماد تدابير استثنائية للتسوية القطاعية، ولكن اللجوء إلى مثل هذه التدابير يبقى محدودا جدا، وتؤطره القوانين الأوروبية والوطنية سارية المفعول، ولكن يمكن القول إن عملية جديدة لتسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين أو المقيمين بصفة غير شرعية ليست مطروحة حاليا. يمكن القول إن عملية جديدة لتسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين أو المقيمين بصفة غير شرعية ليست مطروحة حاليا في إيطاليا. كيف تنظر روما إلى التحولات التي تعرفها المنطقة العربية والحركات الشعبية التي تؤثر في مسار الأحداث؟.. ألا تعتقدون بأن التغيير يجب أن لا يتم بتدخل أجنبي، بل بقناعة داخلية؟ وما هو موقف إيطاليا من الأحداث في ليبيا وسوريا واليمن؟ - من المؤكد أن إيطاليا تساند وتدعم تطلعات شعوب الضفة الجنوبية للمتوسط والعالم العربي في التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ونعتبر أن الأمر يتعلق باعتراف حق هذه الشعوب في التمتع بالديمقراطية والحرية والتنمية الاجتماعية والثقافية والإنسانية، وهي قيم نؤمن بها بصورة راسخة وقوية، كما أننا نؤمن بأن كل شعب حر في اختيار مصيره بالطريقة التي تناسبه لتحقيق تطلعاته. ومن ثم، فإنه من الضروري أن ندعم مسار الإصلاح في البلدان العربية، دون أن نقوم بتبني مقاربة وصاية على أحد، من خلال فرض نماذج غير مطابقة وغير مناسبة للواقع الاجتماعي والسياسي الوطني لهذه الدول. وللتوصل إلى توازن سليم بين المطلبين، فإن الضرورة تقتضي أن نسهر دائما على تخطيط تدخلنا والحفاظ في نفس الوقت على راحة وسلامة الشعوب كهدف أساسي، وفي خضم هذه المقاربة والمفهوم، قررت إيطاليا التدخل في إطار حلف شمالي الأطلسي في الأزمة الليبية، استجابة لدعوة الشعب الليبي ولتفادي مجزرة حقيقية كان مخططا لها في بنغازي من قبل القذافي، ونحن متيقنون بأن الأزمة الليبية تتطلب حلا سياسيا يترجم بوضع حد للقتال ووقف إطلاق النار، وخروج القذافي من الساحة، بعد أن فقد الشرعية، وإطلاق مسار ديمقراطي يضم كافة تركيبة المجتمع الليبي. أما فيما يخص الأزمة السورية، فإنه من المؤسف أن لا تستجيب الحكومة السورية لتحذيرات المجتمع الدولي، بوضع حد لكافة أشكال العنف، وبتبني مسار إصلاح سياسي فعلي وملموس من خلال حوار وطني ذي مصداقية وشامل. أما القمع والعنف، وإضافة إلى كونهما غير مقبولين، فإنها أيضا يشكلان تهديدا لاستقرار المنطقة ونأمل في أن تتوقف. وبالنسبة لليمن، فإن مبادرة مجلس التعاون الخليجي مشجعة وتستحق التنويه، لذلك أعتبر أن مرحلة انتقالية ضرورية تكون مرتكزة على المقاييس الدولية لحقوق الإنسان، ومن واجب الرئيس علي عبد الله صالح بداية أن يتكفل فعليا وبصورة ملموسة بنواياه المعلنة لتوفير الشروط الضرورية لتعايش سلمي في بلاده وفتح آفاق فعلية للديمقراطية وإرساء الأسس من أجل تنمية اقتصادية لليمن التي أضحت في أمس الحاجة إليها.