أمتع الفنان مصطفى زميرلي الجمهور البرايجي، برائعته ''تفضّلي يا آنسة يا أم العيون الناعسة''، ليلة افتتاح المهرجان الوطني للعزف الفردي والثنائي، معلنا بذلك عودته للساحة الفنية بعد غياب 17 سنة. وفي حوار مع ''الخبر''، استعاد الفنان زمن الفن الأصيل، والمرارة تعتريه لما آل إليه واقع الفن الجزائري. تعود إلى الساحة الفنية بعض غياب طويل، فما الذي جعلك تعود في هذا الوقت تحديدا؟ -أسباب كثيرة، بعضها مرتبط بواقع الفنان الجزائري المر في غياب قانون يحميه، فإلى جانب التهميش والحواجز المتعددة، يفرض على الفنان الأصيل البحث عن لقمة العيش في مجالات أخرى، كثيرا ما تقتل الإبداع وترهق الفنان. إذن لم تستطع تطليق الفن بعد أن أحبك الجمهور؟ - الفن كالدم الذي يسري في الشرايين، وأنا ملحن أدرك أن الفن الأصيل ليس وسيلة ارتزاق، ولا حتى مصدر عيش، والكل يعلم أن أغلب فنانينا رحلوا في ظروف مأساوية، بلغت حد العجز عن العلاج، ومنهم من مازال يصارع قسوة الفقر دون التفاتة، بل إن بعضهم يزاحم المعوزين للحصول على الشبكة الاجتماعية، نتيجة الجحود ونكران الجميل بعد سنوات العطاء، وغياب قانون يحمي الفنان . أفهم من كلامك أن هذا ما دفعك للانسحاب؟ - هذا واحد من الأسباب، فالتلفزيون الجزائري أغلق أبوابه أمام الفن الأصيل، والأغنية التجارية استحوذت على الساحة، وهناك أسباب أخرى دفعتني إلى الاعتزال سنة 1987، توجهت بعدها واخترت نشاط أخر، وهو الفلاحة بمسقط رأس والدي في بوسعادة، حيث تنقلت في تلك الفترة من مكان ولادتي وإقامتي ببرج الكيفان إلى بوسعادة، بحثا عن وسيلة تمكنني من توفير متطلبات الحياة لعائلتي، أين قمت باستصلاح الأرض، فهي لا تعرف النفاق والكذب عندما تمنحها تنصفك والحمد لله . ولكنك عدت لتجد جيلا جديدا، كيف تراه؟ - عدت لأن الفن يسري في عروقي، عدت بعد الاعتزال سنة 1998، ليس من أجل المادة، بل محبة وإرضاء لرغبة جمهوري، الذي اعتز به. بدأت مسيرتي بمعهد الموسيقى سنوات الستينات، لو أعود بذاكرتي إلى تلك السنوات، أقول أين الفنان خليفي احمد وعبد الله كريو، وأحمد وهبي كيف غادرنا؟ والقائمة طويلة لا يسع المقام لذكرها. الخلاصة أن الفن الجزائري في تلك السنوات كان في المستوى، وغالبية الفنانين لم يكونوا ماديين، لكن بعد تلك المرحلة، فسح المجال للانتهازيين، اغتنموا الفرصة وقبضوا زمام أمور الثقافة الجزائرية، هم من همشوا الفن الأصيل ومحوه من الساحة، وعملوا على تعويضه . هل وجدت قواعد المنافسة مختلفة؟ - المنافسة لا تعني الرداءة، فالشاب الجزائري فرض عليه الراي، ليس كنوع موسيقي أصيل، بل بكلماته البذيئة وادخلها التلفزيون والإذاعة إلى البيوت منتهكا حرمتها، وتنافس المنتجون على تسويقها فلم يعد للكلمة الطيبة مكان، فالكلمة تهذب الذوق. أما اليوم فالفنان يفسد ذوق الجمهور ويدفعه إلى التّدني. وأضيف في هذا الجانب، أن الفن بالجزائر طغى عليه الجانب التجاري ''التبزنيس'' بصورة كبيرة، مثلا متعهدي الحفلات أصبحوا يستقطبون فنانين عرب بالملايير من أجل التجارة، في حين يحرم الفنان الجزائري من أدنى حقوقه، هذه الفئة تبحث عن الأموال وبعيدة كل البعد عن التكوين وتشجيع الفن الأصيل . هي مسؤولية جماعية؟ - تذكر جيدا أن الجزائر كانت تحتل الريادة في الفن والمسرح والسينما وحتى الشعر، فأين نحن الآن؟ لقد غيبنا عن المحافل العربية والدولية، في غياب تشجيع المواهب، وتدعيم الإنتاج الوطني. أليست المهرجانات نوعا من التشجيع؟ - الجزائر تنفق الملايير على الفنانين الأجانب، وتهمش الطاقات الوطنية، الم تقرأ في الخبر معاناة الفنانين من البطالة، لا توافقني عندما تكون جائزة الفائز في الحان وشباب أو غيرها 10 ألاف دينار ويمنح فنان أجنبي مئة مليون سنتيم لسهرة، أين المعاهد ورعاية المواهب، السؤال الذي اطرحه بشدة على نفسي، أين هي الطبوع المختلفة للأغنية الجزائرية، الجمهور الجزائري فرضت عليه بعض الطبوع الرديئة، مثل أغاني الرأي الهابطة، بالنظر إلى انعدام الرقابة وتكسير الطاقات المبدعة، فالمفروض حاليا الاهتمام ودعم الفن الأصيل المهذب وتلقينه للشباب. انطلاقا من هذه الفكرة، ألا تفكر في العودة إلى الساحة الفنية بألبومات جديدة ؟ - بصراحة ليست لدي رغبة في الوقت الحالي للعودة إلى الساحة الفنية، رسالتي الآن متوجهة لتكوين الشباب من خلال التطوّع في خدمة التلاميذ، وتلقينهم مبادئ الموسيقى والأناشيد التربوية والدينية، لصون الشباب من الثقافات الغربية الدخيلة عن المجتمع. هناك إنتاج على الرفوف، في انتظار عودة الرغبة في تشجيع الفن الأصيل. وما هي الحلول لذلك حسب رأيك؟ - أن يفتح التلفزيون والإذاعة أبوابه للفن الأصيل، عادة إحياء الطبوع الجزائرية الغنية على غرار أشقاءنا في تونس والمغرب وغيرها من الدول العربية، لا بد من وضع حد للجريمة الثقافية في حق الفن والفنان الجزائري، وزارة الثقافة هي المسؤول الأول عن الوضع، لا بد من الاهتمام بالمواهب الشابة وتشجيعها والأخذ بيدها، وتهذيب الأذواق بدل نشر ثقافة العنف.