تمر الانتخابات التشريعية منذ سنوات طويلة بنفس الطريقة، وتفوز بها نفس الوجوه التي ''لا ينزل الفشل ساحتها''، وكأنها قدر محتوم على مشهدنا السياسي، وتكرست، مع مرور الزمن، ثوابت ترعاها السلطة والأحزاب وتميز كل الاستحقاقات. تتصدر قوائم الترشيحات منذ سنوات طويلة نفس الوجوه التي كرست مسارها السياسي لخدمة مصالحها الشخصية، ولم تقدم شيئا للبلاد والعباد، ومع ذلك ترفض الرحيل لقناعتها بالفوز في كل مرة ''بقدرة قادر'' حتى صارت من ثوابتنا. يتم في كل موعد انتخابي تنشيط ''زعماء'' أشباه أحزاب، بعد سبات عميق لمدة خمس سنوات، يجوبون البلاد طولا وعرضا، وينفقون أموالا لا يعرف مصدرها إلا هم ومن دفعها لهم، يتكفلون ''بتسخين البنادر'' والعمل على إقناع المواطن بأنه سينتخب على الجزائر وعلى الخير والتغيير وعلى مستقبل أبنائه، وغير ذلك من العبارات الديماغوجية التي لا وجود لها في الواقع، ويتاجرون بالترشيحات في أحزابهم، ثم يختفون على أمل العودة في الانتخابات المقبلة، وهؤلاء الزعماء أيضا أصبحوا من ثوابت الانتخابات عندنا. يسمع المواطن ويقرأ في كل حملة انتخابية وقبلها، قائمة طويلة من الوعود التي يرى فيها حلولا لكل مشاكل البلاد والعباد، لكنها تتبخر كلها في اليوم الموالي للإعلان عن النتائج، لتعود بعد خمس سنوات كما هي، كاملة غير منقوصة، يرددها السياسيون دون ملل، لأنهم يحبون الثوابت ويحافظون عليها. ويشكل كل استحقاق انتخابي عندنا، حسب ما تقوله السلطة والأحزاب في كل مرة، منعرجا حاسما في تاريخ البلاد، ويركز منشطو الحملة و''جوق البنادر'' على ضرورة المشاركة للمساهمة في عبور البلاد نحو بر الأمان، ويذهب بعضهم إلى حد اتهام من لا يشارك بعدائه للمصلحة الوطنية. وتمر الانتخابات ولا يعبر المواطن أي منعرج، ويكتشف بأن مشاكله مازالت على خط مستقيم، يوازي خط اهتمامات المسؤولين ولا يلتقي معها أبدا، وهذه من الثوابت، في علم الرياضيات وأيضا في ثمار الانتخابات. يمكن أن نعدد الكثير من الثوابت في الانتخابات على مر السنين، دون أن نجد متغيرا واحدا يُحدث بعض التوازن، لكن على الجميع أن يدرك أن موعد هذه السنة يأتي في ظرف يختلف تماما عن ظروف السنوات الماضية، سواء من حيث الوضع الداخلي أو بالنظر لما حدث في دول الجوار، وهو متغير لا يهدد الثوابت المذكورة فحسب، بل يمكنه أن يأتي على الأخضر واليابس، ويتسبب في تصدعات يصعب رأبها، وعلى السلطة والأحزاب يقع الجزء الأكبر من مسؤولية تفادي ذلك.