تكاثر عدد اليهود في شبه الجزيرة العربية وخاصة في نجران واليمن، وبدلاً مِن أن يستكينوا ويبحثوا فيها عن الاستقرار عَمَدوا إلى إثارة القلاقل في مناطقها وبذر بذور الشِّقاق بين قبائلها، كما نشروا الخرافات والأكاذيب بين أهلها ولم يحجموا عن دعوة أهلها لاعتناق المذهب اليهودي بحجة أنّهم والعرب من أصل واحد، أي أحفاد سام بن نوح عليه السّلام. وبغية ترسيخ جذور هذا الإدعاء الباطل في أذهان العرب زعموا أنّ العرب المستعربة تناسلوا من ثابت وقيدار حفيدي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام، وكلّ هذا يفتقر إلى برهان قاطع ودليل قطعي إلاّ ما ورد عن ذلك في سفر التكوين. فلو كان لهذه المزاعم بعض الحظ من الصحّة لكان من المفروض بالمصادر المصرية والآشورية والكلدانية أن تشير إليها ولو بكلمة ما، أمّا أن نثق بها لمجرد أنّها وردت في التوراة، هذا المصدر اليهودي الّذي عدّلوه عن قدسيته بتحريفاتهم الباطلة والّذي أجمع النقاد على أنّه كتب في القرن السادس قبل الميلاد ومن قبل مئات الأقلام، فذلك يعني الانسياق الأعمى وراء الأضاليل اليهودية والاستخفاف بالمميزات الخيّرة الّتي أنعمها الله عزّ وجلّ علينا كالعقل والبصرة والمنطق السليم. كما أنّ التّدليل على وحدة المنحدر العرقي بين العرب واليهود لما بين لغتيهما من التّشابه والتّقارب باطل أصلاً، لأنّ أكثر المكتشفات الحديثة، أثبتت أنّ لغة اليهود الأصلية كانت عبارة عن لهجة كلدانية صوتية، كما أجمع النقاد على أنّ اليهود تعلّمُوا اللغة الكنعانية القريبة من اللغة العربية بعد أن تمركزوا في فلسطين، وهذا يعني صراحة انهيار نظرية المنحدر المشترك الّتي تورّط فيها كثير من كتاب العرب، فلو جاز الأخذ بها لكان علينا أن نقول بأنّ الكلدانيين والآشوريين والآراميين هُم مِن نفس المنحدر أيضاً لما بين لغاتهم واللّغة العربية من التّشابه والتّقارب ولأنّهم من سكان المناطق الواقعة في شرق وجنوب أرمينيا الّتي زعم بعض المؤرّخين بأنّها منشأ السامية الأصيل. وحق لنا لو أخذنا بهذه النّظرية أن نصل إلى أنّ كلّ الشعوب الّتي قطنت الشرق الأوسط قبل عهد سيّدنا موسى عليه السّلام كانت أيضاً من المنحدر المشترك المبحوث عنه وبالتالي ننتهي إلى النظرية العامة القائلة بانحدار البشرية جمعاء من أصل واحد، وفي هذه الحالة لا يصبح للبحث عن القوميات معنى.