تجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحاصر محلة بني النضير، وأمهلهم ثلاثة أيّام وقيل عشرة ليفارقوا جواره ويجلوا عن المحلّة على أن يأخذوا أموالهم، ويقيموا وكلاء عنهم على بساتينهم ومزارعهم. ولكن المنافقين في المدينة وعلى رأسهم عبد الله بن أُبَيْ بن سلول رأس النِّفاق، أرسلوا إليهم يحرضونهم على الرفض والمقاومة وقالوا لهم: ''أن اثبتوا وتمنّعوا فإنّا لن نسلّمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم''. فتحصَّن اليهود في الحصون، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقطع نخيلهم والتّحريق فيها.. ولمّا بلغ الحصار ستاً وعشرين ليلة يئس اليهود من صدق وعد المنافقين لهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب فصاروا {يُخْرِبُون بيوتَهُم بأيْدِيهِم وَأيْدِي الْمُومِنِين}. فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن خشبة بابه فيحمله على ظهر بعيره أو يخرجه حتّى لا يقع في أيدي المسلمين.. وفي هذا يقول الله تعالى في سورة الحشر (الآيات: 25): {هُو الّذي أخْرَج الّذِين كَفَروا مِن أهْلِ الْكِتَاب مِنْ دِيَارِهِمْ لأوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمُ أنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أنَّهُمْ مَانِعَتُهُم حُصونهُم مِن الله، فأتَاهُمُ اللهُ مِن حَيْثُ لمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَف فِي قُلُوبِهُم الرُّعْب يٌخْرِبُون بيُوتَهُم بِأيْدِيهِم وأيْدِي الْمُومِنِين فَاعْتَبِروا يَا أُولِي الأبْصَار. وَلَوْلاَ أنْ كَتَب اللهُ عليْهِمُ الْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُم في الدُّنيا وَلَهُم فِي الآخِرَة عَذَاب النّار. ذَلِك بأنَّهُم شَاقُوا اللهَ ورَسُولَهُ ومَنْ يُشَاقِّ اللهَ فإنّ اللهَ شديدُ الْعِقَاب. مَا قَطَعْتُم مِن لِينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْن اللهِ ولْيَخْزِيَ الفاسقين}.