غالبا ما يصور الإعلام الإنجليزي منتخب ''الأسود الثلاثة'' على أنه صاحب تاريخ كبير، ويضخم عظمته وإنجازاته، ونجومه، ويصنع من اللاعبين منتخبا يخشاه الكبار ويهابه الأبطال. ومن كثرة ما ينفخ الإعلام الإنجليزي في هذا البوق، صدقه البعض، وآمن به الكثيرون، وبنوا تحليلاتهم على كونهم يتحدثون عن بطل، والأمر أبعد ما يكون عن ذلك. دخل المنتخب الإنجليزي، أول أمس، مواجهة إيطاليا وهو لا يحمل أي بطولة في تاريخه باستثناء كأس العالم عام 1966 والتي أقيمت في إنجلترا، وكان التتويج الإنجليزي على حساب المجر في مباراة تاريخية كان فوز الإنجليز فيها سياسيا، وبعد مؤامرة تحكيمية على فريق أوروبا الشرقية المكافح. أما المنتخب الإيطالي فقد دخل ورصيده من البطولات مليء بالألقاب والبطولات، والسعي نحو اللعب على المباراة النهائية، ودخل ''الآزوري'' المباراة وهو مكتسح تاريخيا للقاءات بين الفريقين رغم قلتها، ولم يقل الإعلام ذلك وصورها مباراة بين فريقين ندين، ولكن ذلك كان في ذهن مدربي الفريقين، ولعبا من خلاله بواقعية قالها التاريخ رغم نكران الحاضر. ودخل هودجسون مدرب المنتخب الإنجليزي المباراة وهو يدرك تماما أين يقف فريقه، وما في جعبته، فلعب من البداية مباراة دفاعية منغلقة، حيث لجأ لتأمين دفاعاته من الخلف، مستغلا خبرة وعبقرية جون تيري الصخرة الدفاعية والاعتماد على سرعة الارتداد التي كفلتها خبرة ستيفن جيرارد، والتمريرات القصيرة البينية بين روني وويلباك، وهو أسلوب جديد على المنتخب الإنجليزي، إلا أن القوة الدفاعية للمنتخب الإيطالي المنظم نجح في وأد تحركات روني والسيطرة على ويلباك، وبدأ رويدا رويدا ينسحب للخلف أكثر فأكثر، حتى وصل إلى مرحلة الدفاع الصارم من أجل النجاة وسحب المباراة نحو ضربات الجزاء. على الجانب الآخر، فقد بدا برانديللي، مدرب المنتخب الإيطالي، من البداية أنه الأقرب للفوز، وأنه الأكثر قدرة على تحقيقه، فهاجم على الجانبين، ومن العمق أحيانا، ونجح ماركيزيو ودي روسي وحتى بالوتيللي في اختراق الدفاع الإنجليزي في عدة مشاهد لم تكلل بالتهديف، وفي الوقت نفسه تفطن للعبة الإنجليز وسعيهم لخطف هدف مباغت، فأمّن دفاعاته. وتبقى اللقطة الأجمل والأروع في المباراة، هدف العجوز بيرلو عن طريق ضربة جزاء وضعها في الشبكة بطريقة مذهلة وأعصاب باردة يُحسد عليها، وكان أحد أبطال المقابلة التي تأهل فيها ''الطليان'' إلى المربع الذهبي.
أرقام من الدور ربع النهائي 9 أهداف شهدها هذا الدور في 4 مباريات، هذا الرقم جعل هذه النسخة تحتل مركزا متوسطا بين النسخ الخمس التي أقيمت بالشكل الحالي على صعيد الفاعلية الهجومية، بعد نسختي 2000 و2008 اللتين شهدتا تسجيل 14 و11 هدفا على الترتيب، بينما تأتي نسختا 2004 و1996 بعدها بعد أن سُجل 8 أهداف في الأولى و4 فقط في الثانية. تأهل المنتخب الألماني للمربع الذهبي هو الثامن له طوال تاريخه في النهائيات مقابل 5 مرات لإيطاليا و4 للثنائي إسبانيا والبرتغال. انتهاء أحد لقاءات المنتخب الإيطالي بنتيجة (0 - 0) هو التاسع له في النهائيات، حيث بدأ ملوك الدفاع أول لقاء لهم في الدور قبل النهائي للنسخة الثالثة على أرضهم بالتعادل مع الاتحاد السوفياتي سلبيا، وبلغوا النهائي عن طريق القرعة، بعدها تعادلوا بنفس الحصة مع إسبانيا وبلجيكا في الدور الأول لنسخة 1980، ثم مع ألمانيا في نفس الدور في النسخة الإنجليزية عام 1996، ومع هولندا في نصف نهائي نسخة 2000 والدنمارك في الدور الأول لنسخة 2004، وأخيرا مع إسبانيا في دور الثمانية للنسخة الماضية في سويسرا والنمسا عام 2008. يحمل التعادل السلبي مع إيطاليا الرقم 4 لمنتخب ''الأسود الثلاثة'' طوال تاريخه في البطولة، بعد أن سبق له التعادل بنفس النتيجة مع الدنمارك وفرنسا في الدور الأول لنسخة السويد 1992 ومع إسبانيا في الدور ربع نهائي النسخة الماضية. فوز المنتخب الإيطالي بفارق ضربات الترجيح تحقق للمرة الثانية طوال مشواره في النهائيات، بعد أن تخطى هولندا بثلاث ضربات مقابل واحدة في الدور قبل النهائي لنسخة 2000 في هولندا وبلجيكا، بعد التعادل بدون أهداف. في المقابل تكبد ''الأزوري'' خسارتين بنفس الطريقة أمام تشيكوسلوفاكيا في مباراة تحديد المركز الثالث في نسخة 1980 وأخرى أمام إسبانيا في ربع نهائي النسخة السابقة. خسارة المنتخب الإنجليزي بفارق هذه الركلات تعد الثانية لهم، بعد أن خسروا أمام البرتغال في النسخة قبل الماضية بخمس ركلات مقابل ست، بعد انتهاء اللقاء بالتعادل (2-2)، مقابل انتصار وحيد بفارق ''ركلات المعاناة'' حققه على حساب إسبانيا بأربع ركلات مقابل اثنتين في الدور ربع نهائي النسخة التي نظمها عام 1996. للمرة السابعة في تاريخ البطولة، منذ ارتفاع عدد المنتخبات المشاركة بها للرقم 16، يتم حسم إحدى مواجهات الدور ربع النهائي بضربات الترجيح، البداية كانت عام 1996 عندما تأهل الثنائي إنجلترا وفرنسا للدور قبل النهائي بفارق ضربات الترجيح على حساب إسبانياوهولندا، ثم غاب هذا المشهد المثير عن نسخة 2000 في هولندا وبلجيكا، قبل أن يعود في النسخة البرتغالية عام 2004 عندما بلغ أصحاب الأرض ومعهم هولندا المربع الذهبي بعد تخطي إنجلتراوالسويد بضربات الترجيح، وأخيراً لجأ المنتخبان التركي والإسباني لهذه الضربات لإزاحة كرواتيا وإيطاليا خلال النسخة الماضية. باستثناء المنتخب البرتغالي الذي لم يتذوق طعم اللقب، حتى الآن، فقد سبق للثلاثي الآخر ألمانياوإسبانيا وإيطاليا التتويج بالبطولة في ست مناسبات بواقع 3 ل''المانشافت'' ولقبين ''للماتادور'' ولقب وحيد ''للأزوري''. لا يمكن أن نستعرض ظواهر دور ربع نهائي هذه البطولة دون التوقف عند ضربة الجزاء ''المذهلة'' التي سددها نجم وسط المنتخب الإيطالي وفريق جوفنتوس وأحسن لاعب في (الكالتشيو)، أندريا بيرلو، الذي تصدى للضربة الثانية وسددها بشكل استعراضي بديع في مرمى جو هارت، غير مكترث بتأخر منتخب بلاده وقتها بفارق ركلة، وهو ما يدل على ثقة وتمرس هذا النجم الكبير في أصعب اللحظات.