استحضر وزير الدفاع الفرنسي الحالي، تصريحا من رئيس وزراء بلاده مطلع الثمانينيات، للدعوة إلى رفع التوتر عن العلاقات مع الجزائر. فقد دعا إلى ''تهدئة النفوس'' وهو يوجَه تحية تاريخية للجنرال السفاَح مارسيل بيجار، مقترف مجازر فظيعة في حربي الجزائر والهند الصينية. وذكر وزير الدفاع جان إيف لودريان، في حوار نشرته، أمس، صحيفة ''كورس ماتان'' (صباح كورسيكا)، أنه يقول بخصوص الجدل الذي مازال يثيره ماضي فرنسا الاستعماري بالجزائر، ما صرَح به رئيس الوزراء الأسبق بيار موروا العام 1982 أمام نواب البرلمان، بشأن حرب الجزائر. فقد قال، حسبه، بأن المجتمع الفرنسي ''عليه أن يساعد على تهدئة النفوس. عليه أن يساعد على التئام الجروح، وهذا هو دور الحكومة''. ويرى لودريان أن مضمون وأبعاد تصريح موروا ''لايزال يمثل الحقيقة''. معنى ذلك أن وزير الدفاع الفرنسي يدعو، ضمنيا، اليمين الفرنسي إلى الكف عن استفزازاته في موضوع الذاكرة المشتركة مع الجزائر. وصدرت آخر الاستفزازات، عن زميله السابق في الوزارة جيرار لونغي. وقد يفهم تصريحه، بأنه يعكس إرادة في الحكومة الفرنسية في أن تمرّ زيارة الرئيس فرانسوا هولاند المنتظرة إلى الجزائر الشهر المقبل، دون إثارة المزيد من الأحقاد. ولكن الدعوة إلى ''تهدئة النفوس''، لم تمنع وزير دفاع فرنسا من ترؤس حفل تحويل رفات الجنرال مارسيل بيجار إلى نصب حروب الهند الصينية بمنطقة فريجيس. فهو تصرّف يفهم بأنه استفزاز لا يقل خطورة عن تصرفات اليمين في قضية الذاكرة. وقال لودريان، في الحوار، عن الحفل الذي جرى أمس، مفسّرا الهالة الكبيرة التي أعطتها الحكومة الفرنسية لتحويل رفات السفاح: ''شئنا أم أبينا، الجنرال بيجار وجه أسطوري من تاريخنا العسكري. لقد كان محبوبا ومحل تقدير رجاله. لقد تميّز مساره كمقاوم وجندي في الهند الصينية. وكان أيضا برلمانيا لمدة 10 سنوات، وكاتب دولة لدى وزير الدفاع''. وأضاف مفسّرا قيادته الاحتفال بنقل رفات الجنرال: ''إن تصرفي هذا لا أريد من ورائه أبدا طمس ما حدث في الجزائر. إنني ألاحظ أن الجيش نفسه، لا يخفي ما فعله في هذه القضية الصعبة''. مشيرا إلى أن معرضا أقيم بمتحف الجيش بباريس، تناول حرب الجزائر ''بكل أبعادها والأكثر حالكة منها''، على حد وصفه، وقد حظي ذلك بالتحية، حسب وزير الدفاع. وحول سؤال يتعلق بما يمثّل مارسيل بيجار، بالنسبة له شخصيا، قال لودريان: ''إنه تاريخ ورمز في الكفاح المسلح، إنه الالتزام. وككل شخص يمثل مراحل قوية وأخرى أقل قوة. ولكن في العموم، هو شخصية جديرة بالاحترام خاصة ما فعله في الهند الصينية''. ومعروف لدى المهتمين بملف الذاكرة، أن وزير الدفاع السابق اليميني جيرار لونغي، سعى إلى نفس الخطوة التي قام بها أمس لودريان، ولكن ضغطا كبيرا تعرض له من جانب جمعيات محلية التي رأت في الاحتفال بذكرى بيجار، تمجيدا لمذابح نفذها السفاح في الجزائر. ودفع هذا الضغط بلونغي إلى العدول عن مسعاه. أما لودريان فيقول في حواره الصحفي، إنه استشار أسرة الجزّار، في مسألة نقل رفاته إلى النصب التذكاري. وينقل عن ابنته أن الجنرال الملطخة يديه بدماء الجزائريين ''كان يتمنى أن يدفن بجانب رفاقه في السلاح الذين سقطوا في الهند الصينية''.