سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ما جدوى زيارة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، للجزائر ما دامت فرنسا تدفع بالأزمة المالية لتدويلها عسكريا؟ أي مستقبل للعلاقات الجزائرية الفرنسية في ظل الأزمة المالية الراهنة
ما جدوى الامتيازات الاقتصادية التي تحصّل عليها المتعاملون الاقتصاديون الفرنسيون، داخل السوق الجزائرية في الفترة الأخيرة، ما دامت فرنسا تستبعد المقاربة السياسية والحل التفاوضي الذي تطرحه الجزائر كخيار استراتيجي لحل الأزمة المالية، وتجنيب منطقة الساحل ظاهرة الأفغنة، وهو خيار سيقوّض جهود الجزائر في مكافحة الفدية والجماعات المسلّحة التى استفحل نشاطها في الآونة الأخيرة؟ الحرب الليبية وتضارب المصالح لقد تضاربت المصالح الإستراتيجية بين فرنساوالجزائر في عزّ الأزمة التي ضربت ليبيا، فالجزائر كانت ترى، من زاوية العارف بخبايا المنطقة وتشعّباتها الأمنية والسياسية، أن انهيار نظام الراحل معمر القذافي، وضرب المنظومة الأمنية والعسكرية في ليبيا، سيقوّض، حتما، أمن المنطقة، وسيفتح جبهات عديدة ومطالب انفصالية قديمة جديدة في المنطقة، غذّتها ترسانة الأسلحة الثقيلة والخفيفة المهرّبة من مستودعات الجيش الليبي المنهار وفرق الموت المشكلة من الأفارقة المرتزقة التي جاء بهم معمر القذافي لحماية جماهريته العظمى. وقد بذلت الجزائر جهودا مضنية لوقف الحرب الطاحنة، ليس من باب مساندة نظام القذافي، كما كانت تدّعي بذلك المغالطات الإعلامية التي سوّقتها وجوه سياسية جديدة لحكام ليبيا ما بعد الثورة، لكن من موقف العارف بتداعيات الأزمة وما ستخلّفه من تأثيرات وعدم استقرار في المنطقة، أمام حدود صحراوية شاسعة، قد تتطلّب أموالا ضخمة وترسانة عسكرية ومعدّات تكنولوجية متطوّرة لمراقبتها وتأمينها من خطر الجماعات المسلحة وبارونات المخدّرات وتجّار الأسلحة، الذين وجدوا ضالتهم بعد الحرب الليبية لإنعاش تجارتهم وتحويل المنطقة إلى بؤرة توتّر ساخنة. غير إن فرنسا لم تكترث كثيرا لمطالب الجزائر الداعية لإيجاد تسوية سياسية سلمية للأزمة الليبية، تجنّبا لتداعياتها السلبية الحاصلة اليوم، وراحت تواصل دعمها، عسكريا وسياسيا، حتى الإطاحة بنظام القذافي، مقابل حصولها على حصة الأسد داخل السوق النفطية الليبية، زائد استثمارات للمؤسسات الفرنسية لإعادة إعمار ما خلّفته الحرب وإعادة تجهيز وهيكلة الجيش الليبي المنهار. الضغط على الجزائر لجرّها للمستنقع المالي أمام تداعيات هذا الوضع الخطير، حاولت فرنسا ودول إقليمية أخرى، عبر الولاياتالمتحدةالأمريكية، الضغط على الجزائر، لتدفع فاتورة حرب لم تكن شريكا فيها، من خلال الزجّ بالجيش الجزائري لمحاربة تنظيمات جهادية وحركات انفصالية أوجدتها مصالح دول إقليمية كبرى بالقرب من حدودنا الجنوبية، لوضع الجزائر على المحك واستنزاف قدرات الجزائر، اقتصاديا وعسكريا، فمشاركة الجيش الجزائري في مثل هذه الحروب يعدّ خطأ كارثيا وإستراتيجيا، له عواقب سياسية وأمنية خطيرة على أمن منطقة شاسعة في صحرائنا، وتحويلها إلى بؤرة ساخنة بحكم المكوّنات والعرقيات المتواجدة بها، فشنّ الجزائر حربا على حركة تحرير الأزواد أو حركة أنصار الدين، التي تعدّ بمثابة الممثّل الشرعي للتوارف الماليين، يجعلها تفتح على نفسها حربا بات الكل يترقّب نشوبها، لإضعاف الجزائر وتعريض وحدتها الترابية إلى هزّات انقسامية تكون أشبه بالنموذج السوداني. فرنسا بين نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند لم ترق العلاقات الجزائرية الفرنسية، في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، إلى طموحات ورغبة الجزائر في ترقيتها وتطويرها، وباتت تراوح مكانها، إن لم نقل أنها أُصيبت بالشلل التام في فترة تولّيه للسلطة، وهو وضع لم تعرفه العلاقات الجزائرية الفرنسية طيلة عقود من الزمن، بسبب النظرة الساركوزية الاستعمارية الضيقة اتجاه الجزائر، ومحاولة تحويلها من شريك سياسي واقتصادي مهم وفعّال في المنطقة إلى مجرد أداة تابعة للمصالح والطموحات الفرنسية. وبقيت ملفات ساخنة وثقيلة لم تعرف طريقها للحل، فتحدّث بلغة الاستخفاف فيما يخص ذاكرة الجزائريين، وطالبهم بالنسيان وطيّ صفحة من تاريخ فرنسا البشع في الجزائر، دون الحديث عن ضرورة الاعتراف بجرائم المستعمر، كما عولجت بعض الملفات الاقتصادية والسياسية الحساسة بنوع من البرودة في التعامل معها، ما أعطى صورة للجزائر، على المستوى الرسمي، أن إدارة الرئيس ساركوزي لا تريد التعامل برغبة صادقة في تسوية الملفات العالقة بين الطرفين. وقد زادت الأزمة الليبية، وبعد الحرب التي شنُّت ضد نظام العقيد معمر القذافي، حالة العداء غير المعلن بين الجزائر وباريس، على المستوى الرسمي، وحتى الشعبي، لأن فرنسا لم تستشر الجزائر في مثل هذه القضايا الحساسة من زاوية العارف بتعقيدات الملف وحساسيته على أمن وسلامة وحدة الجزائر الترابية، ما دفع هذه الأخيرة للبحث عن خارطة الطريق للخروج من الأزمة، وهي التي كانت تمسك بمفاتيح الملف الإفريقي وتشعّباته طيلة فترة طويلة من الزمن، بحكم موقعها الإستراتيجي ومصالحها الحيوية في المنطقة. فرحيل نيكولا ساركوزي ووصول فرانسوا هولاند إلى قصر الإليزيه، وإرساله لرسائل سياسية مطمئنة للجانب الجزائري جعل الجزائر، هذه المرة، تتعامل بحذر مع الوافد الجديد لقصر الإليزيه. فإذا كانت زيارة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، للجزائر قد لا تحمل معها مخطّط عمل آخر يحمل في طيّاته استبعاد الخيار العسكري في شمال مالي، ووقف الضغط على مجموعة دول غرب إفريقيا، لوقف دعمها للمخطّط الفرنسي، فإن زيارة هولاند تعتبر من وجهة نظر الكثيرين غير مرحّب بها في الوقت الراهن، ما لم تتوفّر النوايا الحسنة في مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية على كل الأصعدة.