أكثر من أسبوع وأنت تكتب عن ظاهرة الفساد، أكثر من أسبوع والمرارة تفعل في نفسك الأفاعيل. أظن أن ما طفى على السطح هذه المرة قد هزّ كيانك، لماذا تتعجب لما تلفظه الأعماق بين الحين والآخر يا سعد؟ نحن في بلد تمت فيه تصفية رئيس من قِبل الحرس المقرّب منه على المباشر، وأنت تعرف من هو بوضياف محمد؟! ماذا تنتظر.. يا سعد؟! نعم أنت محق فيما كتبته في عدد الأربعاء، ومن منا لا يرغب في أن تكون مؤسسات بلده قوية محترمة في الداخل مهابة الجانب في الخارج؟! ماذا تنتظر يا سعد؟ من هو اليوم نزيل مقر رئاسة الجمهورية؟! قالها ذات مرة صراحة: ''لا تخافوا على حياتي، فلا أحد وراء الستار؟! قد يكون الرجل نرجسيا، مزاجيا، انتقاميا، وعاشقا لمزايا السلطة، لكنه، بلغة المصريين، يتقن اللعب بالبيضة والحجر! وهو الوحيد مع ''حماة العقيدة'' من يعرف البنود السرية والحقيقية للصفقة التي مكّنته من كرسي الرئاسة؟! ماذا تنتظر يا سعد؟! نظامنا وُلد في رحم العنف، ولا يفهم إلا لغة العنف؟! أتعرف يا سعد.. كيف سيكتب المؤرخون عن هذه المرحلة من حياة وطننا؟! ما قولك.. ماذا سيبقى منها في ذاكرة طلاب المدارس؟! عرفت الجزائر في حقبة حكم الرئيس بوتفليقة تفشي الفساد ورشوة القضاء، وهدر الموارد العامة وانتشار الفقر، وهشاشة المجالس المنتخبة، وتعطيل الآلة الإنتاجية، واستيراد التضخم وانزلاق العملة.. هكذا تلخص الحقبة التاريخية في حياة الأمم! ماذا تنتظر يا سعد؟! عندما يصل الأمر إلى حد تعفن، من أسماهم بالأمس الرئيس، رجال الدولة.. وما أدراك ما معنى رجل الدولة، فالأمر يا سعد لم يعد فسادا، بل هي الخيانة العظمى! تزيري - الجزائر نعم أنا معك يا تزيري فيما كتبت.. فالتاريخ لا يحفظ للزعماء إلا خطاياهم! هتلر الذي بنى ألمانيا في ظرف عقدين من حكمه.. لم يحفظ له التاريخ سوى أنه أخطأ بشن الحرب على جيرانه! نعم الرئيس بوتفليقة لا يخاف مما وراء الستار، مثل المرحوم بوضياف.. لأن بوتفليقة تحوّل هو نفسه إلى ستار! يستر الفضائح التي خلف الستار! وقد تكون هذه هي البنود السرية التي تحدثت عنها! ما أصابني من كآبة هو أنني لاحظت أن العنف السياسي الذي عرفته البلاد، في عشرية الدم، قد فوّت على البلاد الفرصة في تحقيق التحوّل السياسي الديمقراطي السلمي، مثل ما حدث في أوروبا الشرقية.. والفساد الذي يعصف بالبلاد اليوم في طريقة إلى تفويت فرصة التنمية على البلاد، وهي الفرصة التي وفّرها البترول بارتفاع أسعاره! شيوخ الدم وجنرالات المتاكد فوّتوا على البلاد فرصة التحوّل السياسي في التسعينيات. ووزراء دولة الفساد.. وبعض جنرالات رياضة وموسيقى أهدروا أموال طفرة البترول.. ووضعوا البلاد في حال المريض الميؤوس منه.