كلّ مَن يتابع واقع المسلمين، يُدرِك أنّ المرحلة الرّاهنة الّتي يمرّون بها، هي مرحلة صعبة يَعْسُر فهم كلّ حيثياتها، ويصعب البحث عن جميع مُتَطلِّباتِها بسبب كثرة الفتن واختلاط الأمور وكثرة التحليلات والآراء المتناقضة المتعارضة. وخفاء الكثير من وجوه المكر والكيد الذي يَكيد به الأعداء للمسلمين، واستغلالهم لضعفهم وتفرقهم. ووجود العملاء النّافذين داخل الدول الإسلامية، الذين يقومون بدور العدو في نشر الفتن وإرباك المجتمع، قال الله تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} التوبة: 47 . وكذلك سرعة الأحداث التي لم تترك للكثير فرصة التدبّر والتفكّر، ولم تمهله لمراجعة النّفس والنّظر في الأخطاء والذنوب والعيوب. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونُ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ''. والتسرُّع في المواقف ومحاولة استغلال الفرص السّانحة والتكيّف معها، بلا علم شرعي ولا رأي رصين، ولا عقل أريب، مع ضعف الحدس والتجربة، نتج عن ذلك كلّه تراكم الأخطاء، ومفاسد أخرى كثيرة، فيما يبدو لي، لا يسمح الاختصار بتفصيلها. لكن، رغم هذا الواقع، فلابدّ للمسلم من علامات واضحة هادية، وعواصم تقيه من القواصم، وأنوار تضيء له دياجير اللّيل المظلم، مستفادة من هدي كتاب ربّنا ومن توجيه سنّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم. العاصمة الأولى: التمسّك بالدّين والثبات عليه والخوف من الانتكاس والارتكاس، فإن الله جعل الثّبات على الهداية هو الإيمان حقّا، ففي الصّحيحين عنْ أنس بْنِ مالك رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ''. العاصمة الثانية: التأنّي في اتخاذ المواقف وأن لا نُصْدِر الأحكام جُزافًا بلا روية وتثبت، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} النساء: 94 . العاصمة الثالثة: التآلف والاجتماع والحذر من الفرقة والانصداع، فليس هناك مظهر أشدّ على أهل الحقّ، وأَقَرّ لعين العدو وأَجْلَب للفشل، من تخاصم المسلمين وافتراقهم. قال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال: 46 .