لو قامت السلطة الحاكمة بنشر صور الرئيس بوتفليقة وهو ممدد على فراش المرض بعد أيام قليلة من نقله إلى باريس للعلاج، لكان الأمر عاديا، لأن المرض ظاهرة طبيعية تصيب كل البشر وبدون استثناء. أما أن يحجب عن الأنظار مدة خمسة وأربعين يوما مع ما رافق ذلك من أقاويل وإشاعات وأخذ ورد وقيل وقال، ثم يظهر جالسا أمام كل من الوزير الأول ورئيس الأركان، فذلك هو الحساب الخاطئ، فهل قدر هذا السلطة هو أن تكون حساباتها دائما خاطئة؟ لا شك أن السلطة أرادت أن تقول للرأي العام الجزائري إن الرئيس بخير، ونحن نتمنى من كل قلوبنا بل وندعو الله أن يكون كذلك، لكن ذلك كان يتطلب منها في الحدود الدنيا، أن تظهره وهو يستقبل ضيفيه سلال وڤايد صالح وهو واقف أمام باب القاعة التي ظهر جالسا بداخلها وهو يحتسي القهوة، ثم يدخل برفقتهما القاعة وله أن يجلس بعد ذلك ويجلسا قبالته ويتبادل الثلاثة أطراف الحديث. لكن ما دام الذي حصل قد حصل وفق السيناريو الذي تم، فعلى هذه السلطة أن تعلم بأن كل المشاهدين فسروا ظهور الرئيس جالسا على أنه لم يكن قادرا على الوقوف. وفي هذه الحالة، فإن ما سبق وقاله سلال لأحد الصحفيين من “أنه خير منك”، يقصد أن صحة الرئيس كانت يومها أحسن من صحة الصحفي السائل، كلام غير دقيق وغير صحيح. سقطة أخرى وقعت فيها السلطة، وهي إعلانها المسبق عن استقبال بوتفليقة لسلال وڤايد صالح قبل بث الصور بحوالي أربع وعشرين ساعة، وهو ما يعني أن مختصي هذه السلطة وجدوا صعوبة كبيرة في تركيب الصور وإخراجها بالشكل الذي يليق وفق حسابات السلطة ورغباتها، فما الذي دفعها إلى التعجيل بإعلان الخبر قبل تحضير الصور وبثها في نفس الوقت حتى تتجنب القيل والقال والتأويل والتشكيك؟ نقطة أخرى تستحق التوقّف... لقد ظهر في الصورة المبثوثة ملتقط صوت التلفزيون عندما بدا الرئيس وكأنه يتحدث، حتى وإن لم نسمع له صوتا، وهو ما يوحي بوجود فبركة، والمفروض أن يبقى رئيس الجمهورية بعيدا عن أي فبركة، ما دامت الفبركة تتعارض بالضرورة مع المصداقية. أخطر من كل هذا وذاك... ما معنى أن يستقبل رئيس الجمهورية الوزير الأول ورئيس أركان الجيش من دون بقية المسؤولين؟ إذا كانت هناك مبررات لاستقبال الوزير الأول تتعلق بأمور التسيير اليومي لشؤون البلد، فإن رئيس الأركان يشغل منصبا تقنيا يفترض أن لا علاقة له بالسياسة. وإذا ما كان لا بد من حضور ممثل عن وزارة الدفاع في لقاء كهذا، فإن المؤهل لمثل هذه المهمة هو الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، فلما هذا الخلط الذي لن يخدم لا البلد ولا الرئيس ولا السلطة ولا الجيش بكل مكوناته وهيئاته. أما إذا كان الهدف هو تمرير رسالة معينة لجهات في الداخل، فهناك أكثر من قناة لإيصال مثل هذه الرسائل... هذا إذا أردنا أن تبقى صورة البلد بعيدة عن التشوّه والتشويش... لكن أي صورة بقيت ورئيس جمهوريتنا يجتمع بمساعديه في مستشفى تابع لوزارة الدفاع الفرنسية!