مع بداية العد التنازلي لحلوله، يعدّ الصائمون العدة لاستقبال شهر رمضان الذي سيغير من روتين حياتنا، فتتغيّر عادت النوم ومواقيت العمل، كما يرتبك برنامج العطلة، والسبب أن الأغلبية يجدون صعوبة في تنظيم أوقاتهم بين العمل، العبادة، الراحة والاستمتاع بوقتهم.. فكيف ننظم أوقاتنا في شهر رمضان؟ "السوق، النوم إلى وقت متأخر، قضاء ساعات في المطبخ والسهر” هو البرنامج اليومي الذي يتبناه الكثير من الصائمين في شهر رمضان، فينال منهم التعب والإرهاق قبل حتى أن ينتصف الشهر، لأنهم أغفلوا مسألة تنظيم الوقت التي تصبح أكثر أهمية في رمضان عن سائر الأيام، لأن الواجبات الاجتماعية والدينية تتضاعف. وحتى لا نقع في هذه الأخطاء، تنصح الأستاذة فريدة حريكان، المختصة في التنمية البشرية، بتسطير برنامج وسلم أولويات للأسرة من خلال تنظيم أوقاتنا “حتى لا يفوتنا الثواب ونفوز براحة الجسد والترفيه عن أنفسنا، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ” رواه البخاري. لذلك، تنصح المختصة في التنمية البشرية بضرورة إدارة الوقت في رمضان بوضع برنامج وخطة بالتشاور مع الأهل، لتنظيم أوقات العائلة في رمضان حتى تناسب ظروفها، مع مراعاة الأولويات لاستثمار الوقت في المفيد، مشددة على أهمية عدم الإكثار من النوم في النهار؛ فإن كان لا بدّ فليكن ساعة من نهارٍ لاستجماع القوى، أمّا النّوم المفرط فإنه يتنافى مع روحانية الصيام. ويمكن للصائم أخذ قسط من الراحة بعد صلاة الفجر ثم التوجه إلى العمل، ولا يقضي وقته بعد العودة من العمل في الشارع فيرهق جسده، خاصة أن الشهر الكريم تزامن وشهر الحر، وقد يضطر إلى الدخول في مشاحنات فيخسر صيامه، “فحري به أن يلزم بيته ليرتاح استعدادا لواجباته الدينية والاجتماعية”. لا تتسوق كل يوم ينافس السوق المساجد في استقطاب الصائمين في شهر رمضان، إذ يقضي الكثيرون أوقاتهم في زيارتها لاقتناء ما تشتهيه أنفسهم أو ما تطلبه الزوجة، وهناك من يقصد السوق أكثر من مرة في اليوم، غير أن وضع برنامج للتسوق كفيل باقتصاد الوقت والمال. وعن هذه الفكرة، تقول الأستاذة حريكان: “رمضان ليس شهرا للطعام بل هو شهر عبادة بالدرجة الأولى، فحري بالصائم أن يقضي وقته في بيته للراحة وتلاوة القرآن أو الجلوس مع العائلة، عوض التجول في السوق وهو بذلك يهدر ماله ووقته”. ولفتت المتحدثة إلى أهمية أن يضع رب الأسرة برنامج تسوق أسبوعي، يمكنه من خلاله اقتناء ما يحتاجه، وبالتالي سيساعده هذا على تنظيم ميزانيته وكذا سلم الإنفاق، فإذا قصد السوق كل يوم بالتأكيد سيقتني كماليات وأشياء هو في غنى عنها. لا تضيعي وقتك في المطبخ ولأن شهر رمضان بالنسبة للكثيرين شهر “الطعام” بامتياز، تقضي المرأة عاملة كانت أو ماكثة في البيت، ساعات وساعات في مطبخها سعيا منها لإرضاء أفراد عائلتها بتحضير ما لذ وطاب، دون إدراكها أنها تهدر وقتا ثمينا، وبأن شهر رمضان شهر الصبر والأعمال التي تضاعف فيها الأجور؛ فيُفضل أن يقتصر الفطور على صنف أو صنفين من ألوان الطعام؛ توفيراً للوقت والجهد والمال. وحتى لا يذهب وقتها هدرا، تقول المختصة حريكان إنه على المرأة أن تنظم وقتها حسب أولوياتها، فيمكنها أن تجهز وجبة السحور في وقت سابق حتى تغتنم الوقت الذي يسبق الفجر في الذكر والصلاة، ويمكنها أن تأخذ قسطا من الراحة بعد الفجر، ثم تخصص وقتا لتنظيف البيت أو تحضير الفطور. وتواصل في السياق: “إعداد وجبة الفطور في الحقيقة لا يأخذ ساعات، وإذا أدركنا هذه الحقيقة يمكن المرأة أن تنظم ميزانية أسرتها أيضا، كما أن قضاء الساعات لمتابعة البرامج التلفزيونية إهدارا للوقت والطاقة”. ونصحت محدثتنا حواء بأخذ قيلولة لتسترجع طاقتها وتخصص في المساء وقتا لتلاوة القرآن والجلوس مع عائلتها، حتى إذا رفع أذان المغرب تكون مستعدة لصلاة التراويح أو الخروج في زيارات عائلية أو حتى السهر مع عائلتها للترويح عن النفس، لكن يفضل أن لا يكون السهر عادة يومية حتى لا يؤثر على أجسادنا أو يطغى على العبادات. السهر يربك ساعتنا البيولوجية ساعات الليل القصيرة أكثر ما يشغل الصائمين في شهر رمضان، خاصة من لم تتزامن عطلتهم والشهر الكريم، فمن يلتزمون بصلاة التراويح لن يعودوا إلى بيوتهم قبل منتصف الليل، وربما ينشغلون مع الأصدقاء إلى آخر الليل، وإذا داوموا على هذا البرنامج، تقول المختصة، سيخسرون راحة أجسادهم لأن نوم النهار لا يعوض أبدا نوم الليل، كما يخسرون أوقاتا كان يمكن استغلالها في العبادات. وتردف محدثتنا قائلة: “لجسدك عليك حق، فمن حق الصائم الترويح عن نفسه والخروج مع العائلة ولقاء الأصدقاء، لكن إذا أصبح ليله نهارا كل يوم، اختلت ساعته البيولوجية وسينهك جسده وتخور قواه، فالاعتدال مطلوب”. وأضافت حريكان أنه يفضل أن يأخذ الصائم وقتا للراحة بعد الإفطار وقبيل صلاة العشاء، فهذا من شأنه أن يشحن طاقته، ثم يخرج للصلاة وأشغاله، لينام عند منتصف الليل حتى يتمكن من الاستيقاظ لسنّة السحور وصلاة الفجر مع تلاوة ما تيسّر من القرآن، ليعود إلى النوم مجددا أو الانصراف إلى أشغاله، “فحتى إذا تحججت بأنك في عطلة لإطالة السهر ثم النوم في النهار، لا يمكن لجسدك أن يسترجع طاقته”. استمتع بعطلتك "خذوا حظكم من الترفيه حتى في رمضان”، هي النصيحة التي وجّهتها الأستاذة حريكان للأشخاص الذين تزامنت عطلتهم مع شهر الصيام، فيمكن أن نصوم رمضان إيمانا واحتسابا دون أن تتأثر عطلتنا. وأوضحت قائلة: “العبادة لا تؤثر على استمتاعي بعطلتي ويمكن للصائم أن يروّح عن نفسه وهو صائم، فيمكن أخذ الأطفال إلى البحر في الساعات التي تسبق أذان المغرب ولا تكون الحرارة في ذروتها، أو التوجه إلى الغابات ليستمتعوا باللعب ولمَ لا الإفطار على شاطئ البحر، ويمكن للوالدين استغلال هذه الظروف لترسيخ عادات جديدة ومعالم رمضان عند الطفل”. وأبرزت المختصة موضحة في السياق بأن “رمضان في ذاته فرصة لتجديد حياتنا وترسيخ عادات جديدة إيجابية نمارسها بشكل جماعي، كالصلاة وتلاوة القرآن والأذكار والعادات الجماعية تساعد على التثبيت، فعلينا أن نستغل رمضان لتعويد أبنائنا عليها ونحفزهم على ذلك بالهدايا”.